أحبك يا حيوان
الحيوان لا يذهب إلى صناديق الاقتراع ولا يملك جيوبا ولا حسابات في البنوك كي لا تتلوّث أقدامه بالمال السياسي، لكنّه يمارس انتخابات الطبيعة، ويقبل بالنتائج دون طعونات.
حاسّتا النطق والتفكير التي يتباهى بهما الإنسان، استبدلهما الحيوان بحكمة الصمت، وقرّر أن لا يصدر صوتا إلاّ في أقصى الاحتياجات الضرورية وساعات الغضب و الألم والاحتفال بالصباحات الواعدة أو الليالي المقمرة.. أمّا الببّغاوات فهي كائنات ساخرة من الإنسان الذي يغدق عليها العطاء، ويدلّلها في سبيل تقليده.. لأنها حيوانات ناطقة.
هذا الكائن غير الصموت لا يضحك ولا يبكي, فهو لا يجد في هذه الحياة من دواعي لذلك, لكنّه يحبّ الممازحة والملاعبة, أمّا عن قصّة التماسيح الدامعة والأبقار الضاحكة فمجرّد وهم واستعارات بشرية على غرار كليلة ودمنة.
الحيوان لا يعرف الخجل ولا يعيش الندم لأنّه لا يرتكب الأخطاء.. يمضي في ممارسة ما يشتهي دون خوف أو توجّس من النميمة والتقوّلات.
الذي يمشي على أربعة أقدام، ليس حقودا, ومع ذلك فهو يتمسّك بحقّه في الردّ دون اللجوء إلى القضاء, وما قصّة الجمل الذي ينتقم ممن تلصّص عليه في لحظاته الحميمة إلاّ تخمينا وهوسا من المتطفّلين والمهووسين بمشاهدة الأفلام الإباحيّة.
الحيوان لا يزور معارض الكتاب إلاّ برفقة مالكه, لا يحتاج للكتابة في الجرائد.. ربما لأنه ليس في حاجة إلى الكذب والتملّق والنقود.. وربّما يريد إيصال صوته على طريقته الخاصة..
الحيوان لا يضع النظارات الطبيّة ولا أجهزة تقوية السمع.. إنه لا يحب قراءة الشائعات والشعارات وملصقات الدعاية والشيكات. لا يعنيه حل الكلمات المتقاطعة ولا نشرة الأحوال الجويّة.. ولا الكلام أصلا.. إنه يمضي إلى هدفه دون مراوغة..
لا يبالي الحيوان بما يخلعه عليه الإنسان من رموز وشعارات وإحالات, فلا النسر يتقصّد الشموخ ولا الكلب يتباهى بالوفاء ولا الحمار يمجّد الصبر ولا الديك يعلن الفجر أو يصليه، ولا البومة تنذر بالشؤم ولا الحيّة تناصب العداء.. حتى أنّه لا يسمع بابن المقفّع وكتابه سيء السمعة.
إذا قلبنا هذا الكوجيتو الفلسفي فإنّنا نجد أنّ الحيوان إنسان واضح,غير متفذلك ولا متسلّط ولا كاذب ولا مدّع ولا كاره.. لا فاسد ولا مفسد في الأرض.
ربّما أجمل ما في الإنسان أنّه كائن مقلّد للحيوان في الركض والسباحة والطيران والذود عن أسرته والحفاظ على جنسه.
لكنّ أعذب الكائنات التي وضع فيها الخالق سرّه هي النباتات.. تعطي في سخاء صامت, تنظّف وتنقّي كل ما أفسده الإنسان والحيوان, تتغذّى بما تجود به السماء دون أن تضطرّ للقنص أو سفك الدماء .. أمّا الأجمل من ذلك كلّه فإنها تموت واقفة مثل ألف النداء والابتهال..
بوابة الشرق الأوسط الجديدة