أحد عشر رضيعا قُتلوا من أجل صندوق انتخابي

 

سمجة هي كل التعليقات التي تدعي السخرية وخفة الدم أمام  الجريمة التي هزت الوجدان التونسي يوم السبت الماضي، وكان مسرحها قسم الولادات في أحد مستشفيات العاصمة، وتمثلت في التسبب بوفاة 11رضيعا بفعل السيروم الملوث. لا يمكن التعليق على هذه المجزرة إلا بالغضب ثم الحداد ثم الغضب من جديد.. إلى أن يُنقّى الجسم الطبي والإداري والسياسي من لوثة الجشع والفساد عبر محاكمة عادلة وحاسمة تقتص لهؤلاء الرضع الذين تسلمت عائلاتهم جثامينهم في ” توابيت كرتونية” إمعانا في الإهانة والاستهتار.

الجرائم ـ كل الجرائم ـ ينفذها أفراد وتصنعها مجموعات ومنظومات، وحالات تكتم وتستر ولامبالاة.. فلا تبرئ نفسك من أي جريمة تحصل حتى وإن كنت في الطرف الأقصى من هذا الكوكب أو تجلس مستلقيا على أريكة في صالون بيتك وأنت تتابع الأخبار بإبهامك.

أعدم مع هؤلاء الرضع 11 مصيرا و11 أملا و11 مواطنا وإنسانا وأسرة، فهل ستُعيد استقالة وزير أو مسؤول، حياة من قتلتهم دماء مسمومة في مؤسسة طبية يُفترض أن ترعاها الدولة وتُؤتمن عليها؟

تضع أم حملها في دار توليد فتستلمه جثة هامدة في علبة كرتونية.. أي لعنة هذه بحق السماء.. ألا تستحق صرخة تهز عروش الفساد الذي بات يمشي يدا بيد، متبخترا مع حاصد الأرواح في أروقة المضاربات المالية والسياسية.

الرضع الذين تتوجهم الدول المتقدمة كأباطرة صغار في دور التوليد، تحضنهم بالرعاية والاهتمام من المهد إلى اللحد، صاروا يُعاقبون بالقتل كما حدث يوم السبت الماضي، وكأنهم طالع شؤم أو كائنات حذّرت من قدومها العرافات لدى الشعوب المتوحشة ذات المعتقدات الهمجية.

الفساد والاستهتار يخنقان الأمل، ويمنعان الفجر من أن يتنفس في دول العالم الثالث. ما الذي جعل الموت يندس في عبوات الإنعاش ويتسلل إلى شرايين الحياة غير تلك الدناءة البشرية كما حدث مع أطفال ليبيا، وجريمة حقنهم بفيروس الإيدز على أيادي ممرضات بلغاريات منذ ما يقارب العقدين من الزمن.

اختفت الجريمة آنذاك ومحيت آثارها عبر صفقة سياسية، وظلت أرواح الملائكة الصغار تهيم باحثة عمن ينتقم لها مثل أشباح هاملت شكسبير.

الأمثلة كثيرة، وتستمر باستمرار غياب العدالة، والجشع البشري الذي يُورّث ـ كالعار ـ جيلا بعد جيل، ولا تزيله إلا منظفات اسمها: العدالة والشفافية والملاحقة القانونية.

11 رضيعا مغدورا يعني 11 روحا تائهة تبحث عن عدالة الأرض قبل عدالة السماء في بلد تدعي دولته الجديدة أن عين القانون ساهرة ويده طائلة.. وأن جراح الجريمة لن تندمل بمجرد السخرية من القاتل والسكين، والتهكم من طريقة إخراج الجريمة على مواقع التواصل الاجتماعي.. هل قلت ” تواصل اجتماعي”؟

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى