أحلام الظهيرة وحرّاس الخواء
استوقفتني صورة لشرطيين تونسيين وقد غلبهما النعاس في موقع الحراسة على الشاطئ السياحي فأسند كل واحد رأسه للآخر واستسلم الاثنان لقيلولة لا تقاوم في يوم رمضاني شديد الحر، بطيء الوقت، متلعثم الهوية .
كان الشاطئ شبه مهجور إلاّ من باقات ورد تحاورها الأمواج، كان قد وضعها من تبقّى ونجا من السياح على مكان المجزرة قبل أن يعودوا إلى بلدانهم ليخبّروا أهاليهم عن خيانة البحر والشمس وعدائية التاريخ والجغرافيا.
كلّف الشرطيان بالحراسة فوق سرير أسود من حديد صدئ وناشز أمام كمّ هائل من كراسي الاسترخاء المريحة الوثيرة والمتبرّجة تحت المظلاّت الوارفة دون مستحمّين ولا مستجيرين …
قال الإرهاب كلمته ومضى على أمل العودة وامتصّت الرمال الذهبية الناعمة ــ بتواطؤ واضح ـ دماء الذين ظنوا أنهم جاؤوا يستحمّون بالشمس، وعاد البحر يذكّر بحكايا الغرقى والمفقودين والراكبين لوهمه البرّاق من جحافل الرقّ الجديد فوق المراكب المتهالكة .
لعلّ أيادي الصدف والأقدار قد انتشلت هذين الشرطيين الشابين من أحضان التطرف والسلفية الجهادية بعد أن تطوّعا في صفوف القوات المسلحة التي ربما كان من الممكن أن يصبح فيها منفّذ الجريمة المدعو “سيف الدين الرزقي ” واحداً من قادتها وهو المشهود له بالانضباط والتفوّق الدراسي لولا الخلل الاجتماعي والثقافي المتربص كالحفر في الطريق، …لولا رائحة ما ..زادت في تلويث هذا الفضاء المعفّر بغبار الحقد وقلبت الموازين والمعادلات .
هل من نوافل القول أن نذكر دائماً بأنّ الجريمة تصنعها المجموعة وينفّذها الفرد وأنّ نظرية “حسني البرظان ” في جدوى معرفة ما يحصل في البرازيل كي نعرف ما يحصل في نيكارغوا هي صالحة لكل الأزمنة والأمكنة التي بات يعولم فيها الإرهاب ويصدّر مثل السجائر التي تحذّر من مضار التدخين على العلب الأنيقة والمغرية ؟
دعونا نتخيل ما يمكن أن يحلم به الشرطيان الغافيان فوق سرير الحراسة الأسود في تلك القيلولة المستقطعة على الشاطئ المهجور ….. إفطار شهي وآمن مع العائلة والأولاد للمتزوّج ؟ قضاء شهر عسل مع عروس الغد في هذا المنتجع الساحر للأعزب ؟ أم هجرة خلف الأزرق و لحاق بمن فرّ بجلده “نصف البرونزي “من السياح، أم ..بشيء آخر يزيد الرعب رعباً ويشبه الخلاص الأبدي المزعوم ….؟!.
قاربت الشمس على المغيب قبل أن يبتلعها البحر مثل صفار بيضة في حلق ثعبان، استيقظ الشرطيان على أهالي البلد وهم يحضرون وجبات الإفطار ويعدّون موائد الرحمان لحرس الشواطئ و أبناء السبيل …الشواطئ التي لم تعد تتكلّم إلاّ عربية منكسرة، والسبل التي ضاقت ولم تعد تجد من يحتضنها غير صلاة الغروب وأدعية التراويح في انتظار فجر يتنفّس .
كلمة في الرمال
نادى أحد الظرفاء بتسليح السياح كي يتفرغ رجال الشرطة عندنا لملاحقة المفطرين والمفطرات في زوايا المقاهي .