من النادر أن تجد واحداً من الجمهور أو فناناً سواءً ممثلاً أو مخرجاً أو مؤلفاً لم يُحب أحمد زكي ويقدر موهبته الحقيقية. وهذا لم يأت بعد رحيله أو ممن عاصروه من أبناء جيله، ولكن كان ذلك هو الرأي السائد منذ ظهوره وبداياته الفنية حينما كان طالباً في معهد الفنون المسرحية.
بداية فنية أمام العمالقة
يُعد مشوار أحمد زكي الفني مسيرة فنية استثنائية؛ حيث جاءت بداياته الفنية مليئة بالعديد من الصعوبات، ولم يكن الطريق ممهداً أمامه، فما كان يمتلك سوى موهبته الحقيقية ومشاعره وطموحه الكبير ليُحقق حلمه في أن يُصبح من نجوم الوطن العربي. وخلال فترة ظهوره كانت الساحة الفنية مليئة بعمالقة الفن مثل فريد شوقي، محمود المليجي، توفيق الدقن، عبد المنعم مدبولي، فؤاد المهندس والعديد من الأسماء الفنية الكبيرة التي كان عليه أن يثبت نفسه وموهبته أمامها.
ومثل جميع أبناء جيله كانت البداية مع المسرح من خلال أساتذتهم في ذلك الوقت عبد المنعم مدبولي وجلال الشرقاوي، حيث شارك أحمد زكي بعدد من المسرحيات مع بعض الأدوار الصغيرة، وفي الأفلام السينمائية. ومع منتصف السبعينيات ظهر جيل جديد من الأبطال من نفس جيله الفني تربعوا على عرش السينما المصرية مثل حسين فهمي، نور الشريف. وظل أحمد زكي على حلمه وعمله الدؤوب حتى جاءته الفرصة الحقيقية من خلال الدراما التلفزيونية بمسلسل “الأيام”، والتي جسد من خلالها شخصية عميد الأدب العربي طه حسين أمام كبار الفنانين الذين شاركوه بطولة المسلسل مثل يحيى شاهين، أمينة رزق، محمود المليجي، حمدي غيث، والذين اعترفوا حينها جميعاً بأنهم أمام موهبة تمثيلية استثنائية ونادرة.
الثمانينيات والبطولة السينمائية
بعد سطوع موهبة أحمد زكي الحقيقية والتي اعترف بها الجميع كان لقاؤه مع المخرج العالمي يوسف شاهين بفيلم “إسكندرية ليه”، والذي من خلاله بدأ أحمد زكي بتثبيت أقدامه في السينما المصرية. ومع ظهور جيل جديد من المخرجين بالسينما وظهور السينما الواقعية الجديدة التي اعتمد على تقديمها هؤلاء المخرجون أمثال محمد خان، عاطف الطيب، داوود عبد السيد، رأفت الميهي، لم يجدوا أمامهم موهبة أفضل من أحمد زكي ذلك البارع في تقمص مختلف الشخصيات ما بين الضابط والبواب والمحامي والتاجر والشاب الفقير اليائس لتشهد فترة الثمانينيات نجاحاً مدوياً للنجم الراحل التي جعلته من نجوم السينما الأوائل.
التحدي الحقيقي لأحمد زكي كان أمام نفسه
المتابع الجيد لسينما الفنان وللشخصيات التي أداها خلال مسيرته الفنية، يجد أن التحدي الحقيقي والدائم له كان مع نفسه، وليس مع إنتاج أو شهرة أو ممثل زميل. فنراه يُجسد شخصية ضابط الشرطة فيما يُقارب ثلاثة أفلام سينمائية من المستحيل أن تجد أحدهم تشبه الأخرى، ونجده أيضاً يُجسد شخصية الشاب الفقير الطموح في أكثر من فيلم سينمائي وجميعها مختلفة، فشخصية “هدهد” في “كابوريا” بعيدة تماماً عن شخصية “صلاح” في “مستر كاراتيه” بالرغم من تشابه حياة الشخصيتين ومشاعرهما.
وكان التحدي الأكبر في مسيرنه الفنية حينما جسد شخصيتي كل من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل أنور السادات، والشخصيتان تبتعدان عن بعضهما تماماً ولا يربطهما شيء، ولكنه نجح في تجسيدهما ببراعة جعلت من عاصرهما في الواقع يؤكد أن موهبنه في التجسيد والأداء من الصعب تكرارها.
رحل عن عالمنا الفنان أحمد زكي منذ ما يُقارب الـ18 عاماً، ومازالت موهبته وأعماله الفنية محل دراسة واهتمام لكل المشتغلين والنقاد وكُتاب السينما تقديراً لموهبته النادرة، وكما وصفها الفنان الراحل نور الشريف بأكثر من لقاء تلفزيوني بأن كل الأعمال الفنية التي قدمها أحمد زكي لم تُظهر حجم موهبته الحقيقية التي حباه بها الله.
مجلة سيدتي