أدونيس وكتابات الشباب
إذا كان الشاعر الكبير والمفكر أدونيس في أغلب أفضاءاته يرى أن القصيدة – أو أي مقطع منها، أو الشعر عموما – حالة شعورية وليست فكرة، لأن هذه الأخيرة تقتل فيه – كما يذهب إلى ذلك أدونيس روح الإبداع – مستشهدا حتى بكبار الشعراء كالمتنبي، وغيره الذين يرى في أشعارهم مجرد فكرة وليست حالة وجدانية شعورية شاملة .
موجة وبكلمة أدق “طلائعية” شبابنا تجنح – وهذا مؤشر إيجابي في كتابتهم – حيث تحتل “الحالة الشعورية” مركزية كتاباتهم، وهذا يبشر بالخير، غير أن هذا لا يخلو من كثير من الهنات والهزات “الشعورية”، إما محاكاة لنزار قباني، درويش، أو أحمد مطر، وهذا لا يعني من وجهة أخرى أنهم خارج سكة، أو رواق أو رقعة “الحالة” في الشعر، بدل الفكرة، وإن غدا على صعيد أخر – لديهم -: مسارات وجدانيات ذاتية، بمعزل أيضا عن “تعمدهم” مساءلة واعتماد الحالة بوعي، وإنما تجئ تلقائية، الأمر الذي يؤهلها أن تنضم “تلقائيا” إلى الحالة الشعورية “وليس إلى خطابية أو بكلمة أشمل” استدعاء خطاب الفكرة عن قصد ووعي.
المسألة ها هنا ترد دوما من ساعي بريد “ذاتية الوجدان والنبض معا محمولة على متن حالة”.
لعلي أسوق مثلا الشاعر ناظم حكمت الذي يتبنى “فكرة البوح الثوري الشمولي” كحالة عامة، وليس خطابا استدعي لحالة شعورية أو فكرة شعورية بعينيها .
المتداول في شعر الموجة الجديدة أنها تتلقى أوامرها الشعورية من وجدانها من مشاعرها الصادقة بصرف النظر عن البنى الفنية والكسور وغيرها، وهذا الأمر يعالج مع المراس والتحنيك، وتضاريس الكتابة وشحنها شعوريا، وكذا شحناتها المتوفرة لديهم. ثم أن “الجمالية” ليست امتدادا أو ضربا من “اللهو” فهي مرتكزات بينية، تختلف من شاعر ومبدع لآخر .
الفكرة قتلت الإبداع حتى عند الكبار، كما ذهب إلى ذلك الشاعر أدونيس.
أقول هذا في الختام من منطلق متتبع لنتاجات الشباب، وهي في أغلبها تصب في معين “الحالات الشعورية” وهذا ما يبعدها عن خطاب التخييل .
أقر أيضا أنني لست ناقدا، بقدر ما أنني متتبع وبنهم لنتاجات الشباب، وهذه مقاربة تطابقية طعمتها برؤية شاعر كبير ومفكر من حجم أدونيس حتى يكون الحجاج – بكسر الحاء – أقرب منه إلى “حجم التطابقية” وموردا مشروعا لذات “الامتدادات الإبداعية”. وإن كان أدونيس قد صرح في حكم قاس عدة مرات: “إننا نتوفر على الشعر وقليل من الشعراء “.
ميدل إيست أونلاين