أربعة أسباب تمنع أردوغان من التّراجع في إدلب.. ما هي؟
مع انتِهاء المُهلة التي حدّدها الرئيس رجب طيّب أردوغان للجيش العربي السوري للانسِحاب من المُدن والقُرى التي سَيطر عليها في ريف إدلب السبت، وتَزايُد أعداد القتلى في صُفوف القوّات التركيّة (20 جُنديًّا في غُضون أسبوعين)، وفشَل الجولة الثّالثة من المُباحثات التركيّة الروسيّة في أنقرة وتمديدها ليوم الجمعة، يُمكن القول إنّ اليومَين القادِمَين قد يكونان الأكثر حسمًا في “أزمة إدلب” سِلمًا أو حَربًا.
رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد أيّ قمّة ثُنائيّة أو ثُلاثيّة (إلى جانب إيران)، أو رُباعيّة (تضم ألمانيا وفرنسا وتركيا وروسيا)، حول هذه الأزمة، تجاوبًا مع طلبات الرئيس أردوغان المُلحّة، يَكشِف عن عدم أخذ هذه المُهلة على محمل الجد، والاستِعداد لمُواجهة أيّ هُجوم تركيّ لاستعادة هذه المواقع من الجيش العربي السوري بالقوّة.
وربّما يتساءل كثيرون عن الأسباب التي تدفع الرئيس أردوغان إلى اتّخاذ هذه المواقف “المُقامِرة” المُتصلِّبة إلى درجة التّضحية بتحالفه مع الروس، وإغراق جيشه في حربِ استنزافٍ دمويّة في العُمق السوري ودُون أيّ حُلفاء بعد أن تخلّى عنه الجميع تقريبًا؟ عربًا وأمريكان وأوروبيين.
هُناك العديد من النّقاط التي ربّما تُوفِّر الإجابة عن هذا السّؤال وكُل الأسئلة الأُخرى التي تتفرّع عنه:
أوّلًا: حالة “الأنفَة” و”العِناد” التي تُسيطِر على الرئيس أردوغان، وتجعله يرفض الظّهور بمظهر المهزوم، أو القُبول بالحُلول الوسط، وتقديم التّنازلات لخُصومه الألدّاء، وخاصّةً الرئيس السوري بشار الأسد الذي فَشِل في الإطاحة به بعد تِسع سنوات من الحرب.
ثانيًا: الأولويّة العُظمى للرئيس أردوغان في الوقت الرّاهن ليس تغيير النظام في سورية، فهذا الهدف بات مُستَحيلًا، وإنّما منع تدفّق المزيد من اللّاجئين إلى تركيا، سواءً بإقامة “إمارة إسلاميّة” في إدلب تستوعب هؤلاء وجميع الجماعات المتشدّدة المُصنّفة إرهابيًّا والأُخرى “المُعتدلة”، أو باستِعادة جميع المناطق التي سيطَر عليها الجيش السوري في الأسابيع القليلة الماضية، وبِما يُؤدّي إلى إعادة مِليون لاجِئ “يتكوّمون” حاليًّا قُرب الحُدود التركيّة ونسبة كبيرة منهم من مُدن وقُرى ريف إدلب التي استعادها الجيش السوري.
ثالثًا: يُواجِه الرئيس أردوغان مُعضلةً كبيرةً جدًّا في إدلب عُنوانها الأبرز كيفيّة التّعاطي مع منظّمات وحركات إسلاميّة متشدّدة بادر إلى تشكيلها من مُقاتلين أتراك، أو من أصولٍ تركيّة، من مُنطلقات عِرقيّة، مِثل كتائب السلطان مراد، كتائب السلطان محمد الفاتح، لواء الشهيد زكي تركماني، لواء سمرقند، أجناد القوقاز، وبعض هذه الفصائل اندمج في هيئة تحرير الشام (النصرة)، أو كتائب السلطان مراد، والمُعضلة تَكمُن في أنّه لا يُريد السّماح لهؤلاء بدُخول الأراضي التركيّة خوفًا من أن ينقلبوا عليه لتخلّيه عن إدلب، وعدم السّماح لهم بتحقيق طُموحاتهم في الإطاحة بالرئيس الأسد وتغيير النظام في سورية، وإقامة دولة إسلاميّة في إطار الإمبراطوريّة العثمانيّة الجديدة، وفي الوقت نفسه لا يُريد تصفيتهم على يد الجيش العربي السوري المدعوم روسيًّا، وفوق هذا وذاك، الحرَج الكبير من الفصائل السوريّة التي دعمها ووعدها بإطاحة النظام السوري في بداية الأزمة، وباتت هذه الفصائل تُوجِّه انتِقادات عنيفة ضدّه.
رابعًا: “تنمّر” المُعارضة التركيّة، وحُدوث حالة من التذمّر في أوساط الرأي العام التركي، وهُناك مَن يقول بأنّ حالة التذمّر وصَلت إلى بعض قِطاعات الجيش التركي، فهذه المُعارضة تتحدّث بصوتٍ عالٍ هذه الأيّام عن خُطورة الزّج بالجيش التركيّ في سورية، وتزايُد أعداد القتلى في صُفوفه، وتُطالب بالتّسليم ببقاء الرئيس الأسد والاعتِراف بحُكومته، وإعادة العُلاقات مع سورية.
لا نستطيع أن نتكهّن بِما يُمكن أن يحدث في اليومين المُقبلين، ولكن ما يُمكن قوله إنّ إقدام الجيش التركيّ على حربٍ مُوسّعةٍ لتنفيذ تحذير الرئيس أردوغان بإخراج الجيش العربي السوري من المواقع التي سيطَر عليها مُؤخّرًا في ريف إدلب بالقوّة، سيكون مُكلِفًا وغالي الثّمن، ومن دِماء وأرواح الجيش السوري ونحن نتحدّث هُنا عن الخسائر الكبيرة التي يُمكن أن تقع في صُفوفه، كذلك مراكز المُراقبة التركيّة العسكريّة (12 موقعًا) المُحاصَرة من قبل الجيش العربي السوري في ريف إدلب وأُقيمت بمقتضى اتّفاق قمّة سوتشي في أيلول عام 2018 والتي يُمكن أن يُدمَّر ومن فيها بالكامِل.
الجيش الروسيّ ما زال يتحكّم بالمجال الجويّ السوريّ، وفوق إدلب خاصّةً، ورفض كُل المطالب بالسّماح للطّائرات الحربيّة التركيّة باختِراق هذه الأجواء في جميع جوَلات المُفاوضات، الأمر الذي يعني أنّ القوّات التركيّة في حالِ هُجومها على مواقع الجيش السوري لن تتمتّع بأيّ غِطاء جويّ، وربّما تكون هدفًا لغاراتٍ جويّةٍ سوريّةٍ وروسيّةٍ، ناهِيك عن الصّواريخ والمدفعيّة الأرضيّة، وقد بَدأت هذه الغارات فِعلًا في سراقب ومُحيطها.
الرئيس أردوغان يقف حاليًّا في موقفٍ صعب، وحَرِجٍ للغاية، وقد يُقدِم على مُغامرةٍ “انتحاريّةٍ” ويُعلِن حربًا واسِعةً على سورية بخَوضِها وحده، بعد أن تخلّى عنه جميع حُلفائه بِما في ذلك الأمريكان، مِثلما قال بمرارةٍ للصِّحافيين الذين رافقوه على متن الطّائرة عائدًا من زيارته الرسميّة لأذربيجان، فمِن الواضِح أنّه يرفض الاستِسلام، والرّوس لا يُريدون إلقاء طوق النّجاة له، وإذا شنّ هذا الهُجوم فإنّه سيُواجِه دولةً عُظمى اسمُها روسيا.
التنبّؤات عديدة حول النّهاية المُحتَملة أو المُتوقّعة لأزَمة إدلب بعضها توقّع بحلٍّ في اللّحظةِ الأخيرة يُبعِد المُواجهة العسكريّة، والبعض الآخر يقول بهُجومٍ تركيٍّ قد يتجاوز حدود ريف إدلب، ولكن أهمّها في رأينا ما قاله أحد الخُبراء الغربيين المُتابع للشّأن السوري: الأسد سيَخرُج بالمزيد من الأراضي في نِهاية المطاف، وأردوغان بالمزيد من اللّاجئين.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية