أردوغان وأوغلو… مِن الأصل إلى الظل

لم يؤثر إخفاق السياسي التركي أحمد أوغلو في سياسات بلاده الخارجية، أو يهز ثقة سلطان تركيا الجديد أردوغان، الذي اختاره خلفاً له كرئيس للوزراء، وزعيم لحزب العدالة والتنمية، فقد ظل مهندس دبلوماسية “صفر مشاكل”، من أبرز شخصيات الحلقة الضيقة المحيطة بأردوغان، فهو مخطط ومفاوض مخضرم، يجسد رغبة الحزب الإسلامي، في تحويل تركيا إلى قوة مؤثرة في سياسات وأحداث المنطقة والعالم الإسلامي، خلال عمله مستشاراً دبلوماسياً لدى اردوغان، ووزيرا للخارجية منذ 5 سنوات، ضاعف خلالها جهود فرض بلاده في صلب مناطق نفوذ السلطنة العثمانية.

اختيار أوغلو جاء بعد صراع مرير داخل الحزب، فقد رفض أردوغان تنظيم انتخابات علنية بمشاركة أكثر من مرشّح، واغلق الباب أمام عودة رفيقه التاريخي عبدالله غل، ومنع النواب الذين أكملوا 3 دورات في البرلمان، من خوض الانتخابات النيابية القادمة، ما يعني إغلاق الباب أمام 72 من أبرز قيادات حزبه، ولعل ذلك ما دفعه للتحذير من انقسام في الحزب، رغم ثقته بالتغلب على محاولات زرع “الفتنة” داخله نتيجة تفضيله أوغلو، باعتبار أنه سيحقّق مُثُل تركيا الجديدة وأهداف الحزب، ولم ينس الإشارة لمنافسه في انتخابات الرئاسة، فشدد أن هذا الاختيار يعني التصميم على مكافحة جماعة منافسه غولن، التي يتهمها بالتغلغل في مؤسسات الدولة، ومحاولة إطاحة حكومته، ولم يردعه كونه رئيساً لكل الأتراك من التصريح عن مواصلة كفاحه ضد الكيان الموازي.

مهم بالتأكيد إعلان أردوغان المضي في البحث عن تسوية للقضية الكردية، وأنه سيساند أوغلو في أي جهد بهذا الاتجاه، لكن المهم أيضا أنه يشدد على أولوية وضع دستور جديد، يسعى من خلاله إلى تعزيز صلاحيات رئاسة الجمهورية، رغم أن المعارضة ترفض مساعيه في هذا الصدد، وتعتبر أن تركيا دخلت عهد رؤساء الوزراء الدُمى، وبينما يصفه أوغلو بأنه “قائدنا”، فإنه سيواجه تحديات ضخمة وصعبة في المرحلة المقبلة، أهمها إعداد الحزب للانتخابات النيابية بأمل الفوز بثلثَي مقاعد البرلمان، ما يتيح تعديل الدستور، إضافة إلى إدارة الحزب داخلياً، خصوصا إذا فرض أردوغان عليه الوزراء الذين سيعملون معه، وهو يدرك أن هناك تياراً داخل الحزب الذي سيرأسه، يرفض ما حدث، صحيح أن ذلك لا يتعلق بشخصه، لكنه يطال قائده المصر على فرض وصايته على الحزب.

رئيس الوزراء التركي الجديد، الذي أسفر نشاطه في السياسة الخارجية، عن اعتباره واحداً من لائحة “المئة رجل الأكثر نفوذاً في العالم”، التي تضعها مجلة فورين بوليسي، بسبب منحه تركيا مرتبة عالمية، فقدتها منذ انهيار الخلافة ومغادرة آخر السلاطين قصر الحُكم في إسطنبول.
لكن هذه الرغبة في إعادة إحياء النفوذ الذي مارسته السلطنة العثمانية على العالم العربي، والتنظير لعودة تركيا بقوة إلى مناطق سيطرة السلطنة العثمانية، أدت إلى انتقادات واصطدمت بالمتغيرات الناجمة عن ربيع العرب غير المكتمل، كما أن سياساته الخارجية لم تكلل بالنصر في أي من مفاصلها، فلا هو نجح في تقريب وجهات نظر سوريا وإسرائيل، ولا نجحت وساطته بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي، وظلت علاقة تركيا مع أرمينيا تراوح مكانها، وضاقت فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتوترت العلاقات مع إسرائيل ومصر بعد انهيارها مع سوريا، لكن الرجل يُكابر مُنكراً الفشل، ويتبنى خطاباً عاطفياً يُكرس الخطاب الديني لقائده أردوغان، فهل يكفيه ذلك للنجاح في موقعه الجديد؟

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى