أردوغان يستعد لفرش السجّاد الأحمر للرئيس الإسرائيلي
أعلن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان مساء الأربعاء أن الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ سيقوم بزيارةٍ رسميّة إلى تركيا مطلع الشّهر المُقبل، وقال في مُقابلةٍ مع شبكة “إن تي في” التلفزيونيّة الخاصّة “إنّ هذه الزيارة يُمكن أن تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات بين البلدين، وإنّه مُستَعِدٌّ للقيام بخطواتٍ نحو إسرائيل في المجالات كافّة”.
هذا الإعلان الذي لم يكن مُفاجئًا لنا، ونعتقد أنه سيُصيب الكثير من “المُعجبين” بالرئيس أردوغان، خاصّةً في أوساط حركات الإسلام السّياسي، والإخوان المسلمين على وجه الخُصوص، بنَوعٍ من الصّدمة، وخيبة الأمل، لأنهم كانوا يعتبرونه القُدوة والمثَل الأعلى في الوطنيّة بالإشارة إلى مواقفه السّابقة المُعلنة في دعم القضيّة الفلسطينيّة، وإرسال سُفن تركيّة عام 2010 لكسر الحِصار المفروض على قِطاع غزّة، وهي السّفن التي اعترضتها قوّات كوماندوز بحريّة إسرائيليّة، وهاجمت المُجاهدين الأتراك على متنها ممّا أدّى إلى استِشهاد عشرة منهم.
الرئيس أردوغان أعلن مجددًا عن رغبته بـ”تصفير” المشاكل مع جميع خُصومه في المنطقة العربيّة، وإعادة العلاقات مع حُكوماتها، بِما في ذلك تلك التي كان يُقدّم الدّعم لمُعارضاتها مِثل مِصر والسعوديّة، باستِثناء الجارة السوريّة، التي لعب دورًا كبيرًا في زعزعة أمنها واستِقرارها واحتلّت قوّاته أجزاءً من أراضيها.
اللّافت أن هذه المُعارضات التي اتّخذت من إسطنبول مقرًّا لها، لم تُوَجِّه كلمة انتِقاد واحدة للرئيس التركي، سواءً بسبب إبعاده للعديد من أعضائها، إغلاق مكاتبهم ولجم محطّات تلفزتهم، أو بعد إعلانه هذا التّقارب مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي وتأكيد رغبته في إعادة العُلاقات الاقتصاديّة والسياسيّة كاملةً معها.
تدهور الأوضاع الاقتصاديّة في تركيا، وخسارة العملة المحلية أكثر من 40 بالمئة من قيمتها في أقل من عام، وارتِفاع مُعدّلات التضخّم إلى أكثر من 32 بالمئة، الأمر الذي أدّى إلى تراجع شعبيّته، وحزبه (العدالة والتنمية)، وتقدّم أحزاب المُعارضة، قبل عام تقريبًا من موعد الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة القادمة، حسب استِطلاعات الرأي.
الانفِتاح على دولة الاحتِلال الإسرائيلي والرّضوخ لجميع شُروطها، وفرش السجّاد الأحمر لرئيسها، لن يُنقذ الاقتِصاد التركي من أزماته، ولن يُساهم في رفع نسبة التّأييد له في أوساط النّاخبين الأتراك، لأنّ الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها حُكومته، وخاصّةً السّياسات الاقتصاديّة المُتعثّرة المُثيرة للجدل، والتدخّل العسكري في سورية، واستِقبال ما يَقرُب من خمسة ملايين مُهاجر سوري، يُواجهون حاليًّا ظُروفًا صعبةً ناجمةً عن هجماتٍ عُنصريّة الطّابع ضدّهم، علاوةً على تغيير النظام السّياسي من برلماني إلى رئاسي يضع كُل الصلاحيّات ودائرة اتّخاذ القرار بين يديه، كلّها عوامل ساهمت وتُساهم في تقليص إنجازات حُكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه، وأدّت إلى تربّعه على السّلطة مُنذ عام 2002 حتّى الآن.
الرئيس أردوغان يذهب إلى تعزيز عُلاقاته مع تل أبيب في الوقت الخطأ، خاصّةً بعد الهزائم المُتلاحقة للحُكومة الإسرائيليّة وجيشها في جميع حُروبها الأخيرة، وحرب “سيف القدس” في أيّار (مايو) الماضي على وجه التّحديد، التي عزَلت “إسرائيل” عن العالم لأكثر من 11 يومًا، وزجّت بأكثر من 6 ملايين من مُستوطنيها إلى الملاجئ، وتنامي قوّة محور المُقاومة سياسيًّا وعسكريًّا.
لا نعرف كيف ستكون علاقات الرئيس أردوغان مع حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” بعد هذا التّقارب المُتسارع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، صحيح أنه لم يُقدّم للمُقاومة طلقة واحدة، ناهِيك عن الصّواريخ وتكنولوجيا الطّائرات المُسيّرة، ولكنّه نجح في إقامة علاقة تحالفيّة خاصّةً ومُتميّزة معها طِوال السّنوات العشرين الماضية، وسمح لها بمُواصلة أنشطتها السياسيّة من الأراضي التركيّة، وباتت إسطنبول الوجهة المُفضّلة لقادة الحركة وأعضائها، وما يدفعنا إلى قول ذلك الشّروط الإسرائيليّة بضَرورة إنهاء هذه المُعاملة الخاصّة، إذ لا يجب الجمع بين إسرائيل وحركة “حماس” التي تعتبرها “إرهابيّة” على الأراضي التركيّة.
سياسة التّقارب مع دولة الاحتِلال، ومن قبلها مِصر والسعوديّة والإمارات التي هدَّد بسحب سفيره منها بعد توقيعها اتّفاق “سلام أبراهام” تُؤكّد أن الرئيس أردوغان يُقدّم مصلحته في البقاء في الحُكم لمُدّة رئاسيّة ثانية على أي اعتِباراتٍ أُخرى، والباقي شِعارات.. واللُه أعلم.
