فن و ثقافة

الدراما التركية : إيديولوجيا مطبوخة درامياً (2). (أرطغرل وابنه عثمان)

  عماد نداف

 ترك مسلسل محمد الفاتح أثرا كبيرا في وقته، لكن مسلسل (قيامة أرطغرل ) الذي تقع  أحداثه في القرن الثالث عشر الميلادي، ويعرض سيرة الغازي أرطغرل بن سليمان شاه والد عثمان الأول (مؤسس الدولة العثمانية)، وقائد قبيلة قايي من أتراك الأوغوز المسلمين التي ينتمي إليها.

فاق مسلسل (قيامة أرطغرل ) مسلسل محمد الفاتح من حيث المتابعين، في نسختيه المترجمة والمدبلجة، وهو أيضا من الأعمال التاريخية التركية التي تنضوي تحت المهمة الايديولوجية للدراما التركية ، فأرطغرل هو  ابن سليمان شاه ، أحد زعماء القبائل التركية، عاش في مرحلة ماقبل قيام الدولة العثمانية بمائة سنة، وابنه هو عثمان أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية التي بلغت ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر؛ فامتدَّت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاث: أوروبا وآسيا وإفريقيا؛ فخضع لها كامل آسيا الصغرى، وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي إفريقيا، ووصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية .

وتاريخيا ، كما يقول الأتراك الذين يعتبرون أرطغرل رمزاً قومياً لهم، فإن أرطغرل وأتباعه دخلوا في خدمة سلاجقة الروم بعد وفاة والده، وكوفئَ بالسيادة على بلدة سوغوت الواقعة على الحدود مع الإمبراطورية البيزنطية في ذاك الوقت.

شارك أرطغرل في حروب السلاجقة ضد المغول وقام بهجمات على الأراضي البيزنطية. ونتيجة لمساعدته سلاجقة الروم في حروبهم ضد البيزنطيين، تلقى أرطغرل أراضٍ في منطقة جبلية بالقرب من أنقرة من سلطان السلاجقة التركمان علاء الدين السلجوقي فكان منح أرطغرل هذه الأرض بمثابة هدية مقابل أن يخمد أرطغرل بقواته أي ثورة في المنطقة يقوم بها بقايا البيزنطيين أو أي جماعة أخرى.

وعندما توفي أرطغرل عام  1288 تابع ابنه عثمان طريقته وظل مخلصاً للدولة السلجوقية حتى سقطت، فقام بتأسيس الدولة العلية العثمانية.

لم تكن القيادة السياسية التركية بعيدة عن أهداف المسلسل، فالرئيس التركي  نفسه رجب طيب أردوغان حاكى هذا المسلسل ونجاحه بقوله «أنكم فزتم بجائزة القلوب»، فهل يمكن الحديث عن دراما ذات هوية قومية تركية؟

في حقيقة الأمر، ورغم التأكيد على هوية الإنسان التركي وانتمائه وقوته وإيمانه في النماذج المذكورة من الدراما، فإن الرسائل المضمرة فيها توزعت بين القومي والديني (الإسلامي) ، فأرطغرل وعبر سلسلة طويلة تضمنت مئات الحلقات كان يبحث عن الوطن التركي الذي يأوي قبيلته في الوقت نفسه الذي يرفع فيه راية الإسلام.

وهو هنا هدف مزدوج في لعبة الانتاج الدرامي ، لكنه في هذه الازوداجية حقق مشاهدة عالية في الأوساط العربية التي تميل روحيا إلى الإسلام، وكان ذلك خلال الحراك السياسي (الشعبي) الذي سميّ بالربيع العربي، وانعكست تداعياته على المنطقة كلها ، وقد أنتجته القناة الأولي التركية TRT1 علي خمسة مواسم (أجزاء)، بدءا من 2014 إلى 2019.

ساعد على هذا الانتشار تطور أساليب الدوبلاج التي حققت نجاحا في الفنية التي استخدمت فيها والقدرات الصوتية التي وظفت من أجلها.

أي أن مسلسل (قيامة أرطغرل) ركز بشكل عام على مجموعة مرتكزات لخدمة الإيديولوجيا من بينها :

  • توحيد القبائل التركية، والبناء على هذه الوحدة لاستعاد أمجاد الدولة الاسلامية.
  • التمهيد الروائي لولادة عثمان ابن أرطغرل كمؤسس للدولة العثمانية التي ستسيطر على المنطقة العربية وشمال أفريقيا وجزء من القارة الأوروبية وتتحول إلى دولة (فاتحة)، من طراز خاص ذي طابع ديني ألحقت بها مساحة واسعة من المناطق العربية.
  • بناء نموذج للبطل الشعبي يقوم على الفروسية والبطولات الفردية .
  • الاستغراق في التاريخ مقولبا بما يخدم الايديولوجيا المتضمنة .
  • الإيمان بالفكرة القومية للأتراك .
  • البناء على العقيدة الإسلامية كإيديولوجية. .
  • القوة .
  • تبرير قيام الدولة العثمانية في عالم من الهجمات الصليبية ومؤمرات فرسان الهيكل وأطماع المغول في السيطرة.

وعندما تم إنتاج مسلسل (عثمان ــ المؤسس) ، تبلورت الرؤية الإيديولوجية بكامل أبعادها، وأنشأت تلقائيا ذاكرة بصرية لمسار السلطنة العثمانية من وجهة نظر تركية ، فعثمان (الابن الأصغر لأرطغرل) هو مؤسس الدولة العثمانية، والدولة العثمانية هي تجديد لمنطق (الخلافة الإسلامية) ، ومن يشاهد هذا المسلسل ، تتضح لديه المعالم الكبرى والأساسية للهدف التاريخي من الإنتاج الضخم.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى