أزمة الإسلام بين الأصوليّة والانسحاب الصامت

 

هل يمر الإسلام بأزمة؟ لا يزال السؤال ملحاً ومطروحاً في العالم أجمع، ليس العالم الإسلاميّ فقط. لكن قلّة ممن استطاعوا تحديد نوع الأزمة وتعيين مواضع الوجع. لهذا شرفت بتقديم هذا الكتاب القيّم الصادر حديثاً بالألمانيّة بعنوان “أزمة الإسلام” للكاتب مايكل بلومه.

Michael Blume

“Islam in der Krise: Eine Weltreligion zwischen Redikalisierung und stillem Rueckzug”

 والمؤلف والحاصل على درجة الدكتوراة في مجال الدراسات الدينية والسياسية وهو مسيحيّ انجيليّ متزوج من سيدة مسلمة ويصف زواجه بأنه يعيش في “أسرة مسيحية إسلامية سعيدة”. يترأس مشروع ” الديانات الغير مسيحيّة، القيم والأقليات في شمال العراق”. كما يتولى شؤون اللاجئين من السيدات والأطفال المهاجرون من شمال العراق. حصل على درجة الدكتوراة في موضوع ” الدين وأبحاث النظام العصبيّ”، نال عنها جائزة مرموقة في مجال

له عدة أبحاث منشورة في مجال الدين والديموغرافيا، الهوية والثقافات، علم النفس الدينيّ والنظام العصبيّ.

يستهل المؤلف عمله بمقولة تركيّة منسوبة لمولانا جلال الدين الرومي (1207-1273) “أنجدوا الإسلام من المتطرفين وإلا عليكم نجدة العالم من الإسلام”.

تعزز قيمة هذا العمل عن غيره من الأعمال التي تحدثت في شأن الأزمة التي يمر بها الإسلام في إستناد الكاتب على أرقام وإحصائيات في المجتمع الإسلامي كمثال للدراسة، كما يستند على وقائع موثّقة عاشاها المؤلف أحياناً بنفسه بحكم عمله مع اللاجئين من شمال العراق. ينتهج المؤلف أسلوب التفكيك لكثير من القناعات والأفكار والأراء المنتشرة كمسلمات بين المسلمين. أهمها هي قناعة “أن الإسلام ينتشر في الغرب إنتشاراً واسعاً” وهي مقولة نجح الكاتب في ضحدها بل وإثبات العكس وهو أن هناك ما أطلق عليه ” الإنسحاب الصامت” للعديد من المسلمين والمسلمات عن ممارسة دينهم، حتى أنه لم يعد معروفاً ما هو العدد الحقيقي للمسلمين في العالم اليوم، حيث يرد مقارنة كاشفة بين الإسلام والمسيحية في ألمانيا من حيث مبدأ “الإعتناق” للمسيحية، على المسيحيى أن يُعمد ويدخل في أحد الطوائف الكنسية ويصبح رقماً في إحصاء الدولة، عكس المسلم واليهوديّ والهندوسي تماماً فمن يولد منهم في عائلة مسلمة، أو يهودية أو هندوسيّة يستحيل عليه فيها أن يخرج من دين الميلاد ليعتنق ديناً آخرا وقد يدفع حياته ثمناً في الإقدام على مثل هذه الخطوة. ولكون الإسلام ليس إختيارياً للأفراد نشأ هذا التماثل بين الدين والدولة في الإسلام، يلقي بظلاله حتى اليوم على كل الدول الإسلامية بما فيهم تركيا رغم علمنتها. ويوثق بلومه هذا الإنحصار الصامت للإسلام مستشهداً بخطبة إمام مسجد الرسالة في برلين: “قد عينت شيخاً بمبلغ ألف يورو شهرياً لتعليم أطفال المسلمين وطيلة عامين لم يحضر إلا عشرة أطفال، ويتسآل إمام الجامع في برلين أين هم أطفال المسلمين؟” يشرع بلومه في مناقشة أمر “الردة” في الإسلام ويعزيه أنه سياسياً لا عقائدياً، وأن اللاهوتيين المسلمين قننوا فتوى الردة استناداً إلى الحديث النبوي الشهير “يولد المولود على الفطرة ..” وهو أمر وقع بالفعل إبان الإمبراطورية العثمانية في أخذ أو انتزاع الأطفال من الأسر الغير مسلمة ولا سيما من الأسر المسيحية لإدخالهم في الإسلام وإلحاقهم بالعسكرية. وهنا يورد الكاتب شهاداته على تعامله مع أطفال من الطائفة الإيزيدية الذين تعرضوا للخطف على يد تنظيم داعش لجعلهم محاربين في التنظيم والبعض منهم تدرّب على الهجمات الإنتحارية.

يسوق بلومه من خلال عقد المقارنات الذكية بين الإسلام والمسيحية الأسئلة الراهنة التي تشغل بال أتباع الدينين الكبيرين، حيث عادة ما يثيرالمسيحيون سؤال “كيف كان سيتصرف يسوع اليوم؟ كيف سيرى ملكوته؟” بينما يشغل بال المسلمون سؤالاً أخر وهو “ماذا فعل محمد من قبل؟ كيف كان ملكه؟” ملقياً الضوء على فعل ومنهج السلفيّة في محاكاة شكل الحياة في القرن الأول للإسلام، مقارنا بينها وبين بعض الطوائف المسيحيّة الأصوليّة كالأميش وغيرها التي تهدف إلى الحفاظ على شكل نشأتها في القرنين 15 وال16، ولكن ليس استنساخاً كما تسعى السلفية الإسلامية اليوم، فهم لا يحاكون شكل ولغة وعادات بني إسرائيل (التي نشأت فيها المسيحية المبكرة) في القرن الأول الميلادي. ولايسعي رجال اللاهوت المسيحي إلى محاكاة المسيح لا في لغته ولا في ملبسه ولا عاداته على النفيض من علماء المسلمين. تشتد الأزمة مع علماء الإسلام في رؤيتهم ” للتجديد” بأنه “بدعة” تستوجب الإثم بينما يرى المسيحيون “التجديد” على أنه “تطور” ويستقبلوه بشكل أقل حدة بكثير كنوع من التطور المرحب به في ملكوت الرب.

ولعل من مواضع الألم الأخرى التي أشار اليها بلومه هو مرسوم تحريم طباعة الكتاب الصادر عام 1485 والذي تسبب إلى اليوم بأزمة حادة في التعليم وتداول الثقافة في العالم الإسلامي، الذي لايزال يحيا حتى اليوم فقط بسبب بيع البترول. “أزمة الإسلام” كتاب نضج من خلال لقاءات وحوارات حية مع المئات في اوروبا وفي الشرق الأوسط والأدنى ومواقع الصراع في تركيا والعراق وفلسطين. استشعر بلومه من خلالها أن المسلمين المتدينين يميلوا للهروب من مواجهة حقيقة ما آل إليه الوضع في الإسلام ويسعون لإيجاد مخرج، يملئهم الإحباط والتردد في السؤال عن حال الإسلام اليوم، فيكون الملجأ في الإيمان المطلق بنظرية المؤامرة. لهذا أن مواجهة الأم تتطلب شجاعة كبرى من المسلمين أنفسهم، أهدي هذا الكتاب لمن يعملون في حقل الإعلام وللمسيحية واليهوديّة المهتمة بالحوار مع الإسلام لإيجاد مستقبل مشترك. أختتم هذا التقديم القصير الذي يتبعه إستطالة في مقالات قادمة بعبارة من عبارات المؤلف نفسه ” أن هذا الكتاب ليس فقط وليد رحم الأكاديميا ولكنه وليد ملاحظات المسلمين والمسلمين السابقين (ممن تركوا الإسلام) ومن حوارات الضحايا الذين فروا من بلادهم ومعهم رائحة المدن المحترقة”.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى