«أزمة» الدراما السورية «عائلية» بامتياز!
لن يحتاج مشاهد الدراما السورية هذا الشهر سوى «وقت مستقطع» لا يتعدى مسافة تنقّله بين قناة وأخرى، ليكتشف حجم الخذلان الذي سيرافقه في موسم «القول الفصل». إذ تخلّفت مادته التلفزيونية المفضلة، عن ركب نظيرتها المصرية. صنّاع الأخيرة فهموا الدرس جيداً، وأفادوا من كبوتهم قبل سنوات… تلك الفترة التي تزامنت مع النشوة الاستثنائية التي عاشتها دراما الشام.
هذا العام وبعد جولة مكوكية على خمس حلقات من مجمل ما أنجز في دمشق وفي القاهرة، نعود بنتيجة واثقة بأنّ عدداً كبيراً من الأعمال المصرية ينجح حتى الآن في خلق عناصر الجذب الكافية، والتقاط الجمهور، ولو بشكل متفاوت. إلا أنّ الثابت هو بروز مجموعة أعمال تنم تفاصيلها عن سوية عالية من الاجتهاد والتطوير تسم منجز «المحروسة»، إلى جانب تحديث المقدرات الأدائية، عند حشد كبير من النجوم العاملين هناك. يتواكب ذلك مع تقنيات بصرية تتكلم عن نفسها بلغة الصورة. يأتي هذا التقدم الملموس في موازاة الخطوات الواثقة التي تسيرها زميلتها السورية إلى الوراء! الصناعة الثقيلة التي بدأت تترنح منذ اندلاع الحرب، هوت هذا العام بصورة أقسى من السنوات السابقة، أقلها على صعيد التسويق، بعد فشل أكثر من خمسة مسلسلات عن البيع (الأخبار 2/6/2017).
مع ذلك، كنا نستبشر خيراً بشراكة «إيبلا» (هلال أرناؤوط) مع «تلفزيون أبو ظبي» على اعتبار أنّ مشروعهما «أوركيديا» (تأليف عدنان العودة ـــ قنوات «أبو ظبي») يساق بفكر المخرج المرموق حاتم علي، وقد وصلت ميزانيته إلى 5 ملايين دولار أميركي وفق ما تم تداوله. هكذا، استقطبت الميزانية ألمع نجوم الدراما السورية من بينهم: جمال سليمان، سلوم حداد، عابد فهد، سامر المصري، باسل خيّاط، وسلافة معمار… لكنّ الانطباع المبدئي عن العمل، يشي بأنّ المخرج حاتم علي اشتغله من دون أن ينظر خلفه! صاحب «ثلاثية الأندلس» التي حققت قفزة نوعية على مستوى الدراما التاريخية عندما أنجزت قبل أكثر من عشر سنوات، يطل علينا هنا بمزاج مستعجل. ديكوراته كأنها مستعارة من مسلسل الأطفال «كان يا ما كان» (تجدر الإشارة إلى أنّ معمّر ديكورات أهم مسلسلاته لم يعد إلى جانبه، وهو مهندس الديكور الحرّيف ناصر جيليلي). البنية البصرية لصانع «التغريبة الفلسطينية»، تبدو كأنّها وافدة من ثمانينات القرن الماضي، وحركة كاميراته تقليدية لا أكثر. ورغم اتكاله على أساتذة تمثيل، إلا أنّ اللغة العربية الفصحى تخون بعضهم في مواضع عدّة. نسمع الاسم المجرور منصوباً في مكان ما، ثم تتكرر الأخطاء اللغوية في مواضع عدة، رغم أنّ أفضل من أجاد الإلقاء وسلامة اللغة في العمل التاريخي هم السوريون. أما الملابس، فربما تعطي انطباعاً بأننا أمام جوقة متسولين ارتدوا جلابيب طويلة غريبة… كل ذلك في كفة، لتأتي الكفة الثانية الراجحة بحوارات جوفاء، عدا ما يتكئ على أفلام عالمية: نذكر مثلاً الحوار الذي يدور بين العرّافة التي تؤدي دورها مي سكاف، وبين ملك سامارا أنمار الذي يؤديه جمال سليمان.
بالانتقال إلى ما تمكّنا من مشاهدته من الدراما التي صوّرت داخل الشام، يلفتنا الاستسهال في محاولات صناعة مسلسل، إلى درجة تصبح فيه العناوين مجرد إنشاء ركيك، وتصير الأفكار استهلاكاً باهتاً لمواضيع أكل عليها الزمن وشرب، والأمثلة كثيرة… لكن كيف سترتقي ذائقة جمهور نقذفه بمسلسل اسمه «لست جارية» («سوريا دراما» ــ «الجديد» – تأليف فتح الله عمر ــــ إخراج ناجي طعمي)؟ ينطلق العمل من فرضية سطحية تبنى على حياة سيدة (كندة حنا) تتزوج رجلاً تحبّه (عبد المنعم عمايري) ليكتشف ليلة الزفاف أو «ليلة الدخلة» كما تسمّى وفق منطق المسلسل، أنّ زوجته تعرضت لحادثة اغتصاب في طفولتها، ولم تكن تعرف أنها فقدت عذريتها.
هكذا، يحولّها الرجل إلى جارية لديه! الفكرة فعلياً تبدو كأنها تسللت من أرشيف مكدّس بالغبار من دون إذن الموظف المسؤول، حتى وقعت على «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» التي تبنّتها كما سبق أن تبنّت الأسوأ منها. لكن الجهة الحكومية تكفّر عن ذنبها هذا العام بتجربة كوميدية خفيفة الظل هي «أزمة عائلية» («سوريا دراما»- «الفضائية السورية» ــ «سما» ــــ شادي كيوان وهشام شربتجي). يعيد «شيخ الكوميديا السورية» بعضاً من الألق المفقود إلى السيت كوم، من خلال يوميات عائلة ظريفة تجابه متطلبات الحياة ومفرزاتها الجديدة في دمشق، بدماثة ساطعة. يعرف قطبا المعادلة (رنا شميّس ورشيد عساف) كيف يديران لعبتهما. ويعد القائمون على العمل بمزيد من اللعب الكوميدي على مفاصل الأزمة الحياتية العاصفة بالبلاد بعد توسع حضور بقية نجومه بينهم عاصم حوّاط… ربما كنوع من الاحتيال على الظرف المتردي، تحتاج الدراما السورية سنوياً مجموعة أعمال على شكل المكان الواحد، لكن بصورة متنوعة. على خط الكوميديا ذاته، يفجعنا «بقعة ضوء» بلوحات عائمة تقدّم كركترات تمثيلية، من دون حامل درامي أو تصاعد لقصص ساخرة متماسكة. مجرد اسكتشات لا بداية ولا نهاية لها، ولا تعرف سوى السباحة العشوائية، والاتكاء بشكل رئيس على قدرات الممثلين وارتجالاتهم ومقدراتهم الأدائية، كحال أيمن رضا، وعبد المنعم عمايري وأحمد الأحمد… من دون أن تساندهم مواد مكتوبة بحرفية، خاصة عندما يقرر ممثلو هذا المسلسل التعدي على كار الكتابة، وكتابة لوحات من أجل لعب بطولاتها.
أما من ناحية الدراما الشامية، فقد توقف التعويل على مسلسلات الدجل التاريخي المتخيل في «باب الحارة» وإخوته باعتبار أنّ الضرب في الجيف الدرامية المتفسخة باطل. إنما كان الأمل معلّقاً على «قناديل العشاق» («الجديد» ـــــ خلدون قتلان وسيف الدين السبيعي). وحتى الحلقة الخامسة يحضر كل شيء في العمل، عدا التشويق والحبكة المتصاعدة بطريقة أخاذة. يعجز المسلسل حتى الآن عن خلق خصوصية توازي حجم البروباغندا التي رافقت تصويره، عدا مبالغات المغنيات اللواتي يرافقن «إيف اليهودية» (سيرين عبد النور) ويعملن لاحقاً تحت إمرتها!
ولا يعرف أحد ما الذي خطر في بال المخرج السوري محمد وقّاف كي يناضل من أجل أن يرى مسلسله «حكم الهوى» («الجديد» – «سوريا دراما») النور. العمل الذي كتبته ريم عثمان، ليس سوى كليشيهات حب مكرورة آلاف المرات، تعيد شركة «قبنض» صياغتها بشح إنتاجي ظاهر. والمسلسل هو بوابة رمضان نحو الابتذال والاستخفاف بالمشاهد. في حلقته الأولى، تقف مرام علي بماكياجها المبالغ به، وتريد إقناع مشاهدها بأنها صحت لتوها من النوم! هذه التفاصيل غالباً ما تتكفّل بتمهيد الأرض أمام هامش من النجاح أو تبديده كلياً. من ناحيته، يجرّب «شوق» («سوريا دراما») الولوج في عمق المأساة من خلال حالة حب طارئة، والافادة من قصص الناشطات السوريات اللواتي عايشن بشاعة الخطف. وعلى الرغم من وقوع النص في مطب التنظيرات الأدبية وارتفاع جزء من مكامنه عن سطح الحياة، إلا أن بشائره بدأت تهلّ في الحلقة السابقة.
أخيراً وبصورة تشبه واجهات المحلات الفاخرة، تقود كاريزما تيم حسن مسلسل «الهيبة» ( mbc دراما – mtv ـــ تأليف هوزان عكو وإخراج سامر البرقاوي). رغم قصر الحلقة وتراجع حدة الحدث بعد الحلقة الأولى، إلا أنّ العمل مبدئياً يشي بأشياء إيجابية… كل ذلك يظل بمثابة انطباعات مبدئية أبعد ما تكون عن حكم نقدي عميق، غالباً ما يحتاج التريّث، ريثما تنتهي عروض الموسم.
صحيفة الأخبار اللبنانية