أزمة اللاجئين تهدد الاتحاد الأوروبي وتدفعه لتعديل قوانين الهجرة واللجوء
يمر الاتحاد الاوروبي هذه الايام في مرحلة تاريخية مليئة بالإختبارات الصعبة التي قد يؤدي الفشل في اجتيازها الى الانهيار وانفراط عقد الأسرة الاوروبية وعودة القلاقل والمناحرات التي اشعلت حربين عالميتين بين بلدانها في النصف الاول من القرن العشرين. فبالإضافة الى المشاكل الاقتصادية المتفاوتة الحجم بين اعضاء الاتحاد الـ28 تأتي ازمة الهجرة واللجوء لتقض مضاجع القيمين على الاتحاد والحريصين على استمراريته.
وازمتا الاقتصاد والهجرة توأمان لا ينفصلان فالانهيار الاقتصادي الحاصل في اغلب دول شرق وجنوب اوروبا ادى الى استغلال شعوب تلك الدول اتفاقية الحدود المفتوحة لمواطني الاتحاد وهجرتهم الى الدول الاغنى والامتن إقتصادا كألمانيا وبريطانيا ما اثار حفيظة شعبي هذين البلدين وزاد في الضغط على حكومتي البلدين لكي تجدا حلا لهذا المد البشري القادم من دول الاتحاد المتعثرة اقتصاديا.
وما زاد في الطين بلة، موجة تسونامي اللاجئين القادمين من دول افريقيا والشرق الاوسط التي يزداد ارتفاعها يوما بعدا آخر مع استمرار الحرب السورية والصراعات في كل من اليمن وليبيا وافغانستان وازدياد الفساد والفقر في بعض الدول الافريقية كإريتريا. هذا بالاضافة الى استطاعة اي لاجئ غير شرعي، يدخل اي بلد من البلدان الاوروبية الموقعة على اتفاقية الشينغن، الوصول الى مداخل دول غير اعضاء في الاتفاقية كبريطانيا التي يحاول التسلل اليها يوميا مئات الشبان عبر القطارات او الشاحنات والسيارات والمراكب التي تعبر نفق وقناة المانش قادمة من فرنسا او بلجيكا وهولندا.
ولتفادي مثل هذه الحالات تبنى الاتحاد منذ عام 1990 خلال قمة لزعمائه عقدت في العاصمة الايرلندية دبلن معاهدة خاصة باللجوء الهدف منها فرض قيود مشددة على اي لاجئ يقدم طلب لجوء الى اي بلد عضو في الاتحاد بغية الحد من اعداد اللاجئين واغلاق الابواب في وجوههم بصورة بيروقراطية مقنعة بقناع الحضارة الملون بالطابع الأمني. لكن تصاعد الازمات واندلاع الثورات والحروب في مناطق لا تبعد جغرافيا مسافات شاسعة عن الاتحاد وعجز بروكسل عن الاسهام في ايجاد حلول ناجعة لتلك الصراعات اوصل الامور الى حد زال معه صباغ قناع الحضارة واصبح سلاح حقوق الانسان ماضيا في ايدي اللاجئين المتدفقين الى القارة الاوروبية بعد حوادث مأسوية في مياه المتوسط تجسدت في غرق مراكب عديدة على متنها نساء واطفال.
هذا السيل من اللاجئين بدأ يدب الذعر والهلع في قلوب شريحة واسعة من الشعوب الاوروبية، واصبح تحديا كبيرا لقادة دول الاتحاد الذين يجب عليهم في اسرع وقت ممكن معالجته بأقل الخسائر الاقتصادية والامنية والاجتماعية والديموغرافية الممكنة. وانفردت المانيا حتى الآن في تنفيس الاحتقان الحاصل عندما فتحت ذراعيها لاستقبال اللاجئين بشكل محترم ولو لم تتخذ برلين مثل هذا القرار لا احد يعلم ما كان سيحصل لهؤلاء اللاجئين في اليونان المنهارة اقتصاديا او في دول اوروبا الشرقية كهنغاريا وسلوفاكيا التي لم ترحب حكوماتها بتاتا بهؤلاء اللاجئين رامية بسرعة القناع الحضاري كاشفة عن تعصب ديني وعرقي لم تشهد اوروبا مثيلا له منذ ايام النازية والفاشية. فماهي اهم الاتفاقيات والقوانين الاوروبية التي ينبغي على قادة الاتحاد تعديلها او استبدالها في اجتماعاتهم الطارئة المقبلة لكي يجدوا حلولا طويلة الامد لهذه الازمة؟
معاهدة دبلن
وقعت على معاهدة دبلن التي تعنى بحق اللجوء الى اراضي الدول الاوروبية في العاصمة الايرلندية دبلن في 15 حزيران سنة 1990 من قبل 12 دولة هي: ايرلندا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وبلجيكا وهولندا والدنمارك واللوكسمبورغ واليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال. ثم وقعت تباعا عليها كل من السويد والنمسا في تشرين الاول 1997 وفنلندا في كانون الثاني 1998. وبعد اجراء تعديل على مضمونها تبناها الاتحاد الاوروبي كقانون لجميع الدول الاعضاء فيه باستثناء الدنمارك (التي لها بروتوكول خاص للاجئين)، ثم اخذت شكلها الحالي بعد اجراء تعديلات اخرى عليها في الثالث من كانون الاول 2008 وتم اقرارها قانونا ملزما لكافة الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي (باستثناء الدنمارك) في حزيران سنة 2013 وادخلت حيز التنفيذ في 19 تموز 2013. والنقطة الاساسية في هذه الاتفاقية هي ان اول بلد من بلدان الاتحاد يسجل بصمات وتفاصيل لاجئ هو غالبا من يتحمل مسؤولية طلب اللجوء الخاص بهذا اللاجئ والبت بمصير هذا الطلب رفضا او قبولا كما لا يحق لطالب اللجوء تقديم طلب لجوئه في اكثر من بلد من بلدان الاتحاد. وللإيضاح يعني هذا انه في حال وصل مهاجر بصورة غير شرعية عبر المتوسط الى ايطاليا مثلا وتم تسجيل بصماته فيها وملف لجوئه فإن ايطاليا هي التي تتحكم قانونا بالموافقة على طلب لجوء هذا المهاجر او رفضه ولا يحق له في حال رفض طلبه في ايطاليا ان يعود ويقدم طلبا آخر في بلد آخر كفرنسا او اسبانيا او اليونان على سبيل المثال.
ولقيت المعاهدة منذ ادخالها حيز التنفيذ انتقادات لاذعة من منظمات حقوق الانسان التي اعتبرتها مجحفة وغير عادلة فهي غالبا ما تفرض على اللاجئ تسجيل طلب لجوئه في اول دولة من دول الاتحاد يصل اليها وغالبا ما تكون هذه الدولة اما في جنوب اوروبا كاليونان وايطاليا واسبانيا او في شرق اوروبا كهنغاريا وبلغاريا ورومانيا. واقتصاديات جميع هذه البلدان في وضع سيئ ونسب البطالة فيها مرتفعة ما يضطر حكوماتها في احيان كثيرة الى رفض طلبات اللجوء وترحيل طالبيها الى البلدان التي جاؤوا منها.
ومع تزايد اعداد مراكب الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط واحداث غرق بعضها بشكل مأسوي ازداد الضغط بشكل كبير على دول اوروبا الجنوبية وبصورة خاصة اليونان وايطاليا اللتين طلبتا المساعدة من الدول الاوروبية الاخرى في قبول طلبات لجوء من بعض المهاجرين الذين يصلون عبر المتوسط او الذين تنقذهم زوارق الانقاذ الاوروبية من الغرق، لكن معظم دول الاتحاد رفضت ما تطلبه منهما روما واثينا بحجة معاهدة دبلن. وازداد الوضع سوءا يوما بعدا آخر في الاشهر الماضية الى ان تفجر الوضع في جزر اليونان بسبب وصول مئات آلاف االلاجئين السورين الفارين من الحرب المستعرة في بلادهم منذ اكثر من اربعة اعوام ووقوع مآس هزت ضمير الاوروبيين كحادثة غرق مركب عائلة عبدالله الكردي بين شواطئ تركيا والجزر اليونانية. هذه الوقائع اجبرت دول الاتحاد الاوروبي على اعادة النظر في قوانين اللجوء لأن اليونان ذات الاقتصاد المتهالك ورغم تقديم بروكسل لها عشرات ومئات ملايين الدولارات لإقامة مخيمات مؤقتة للاجئين لم تعد تتحمل ضغط اللاجئين الذي اضر بقطاع السياحة اليوناني بشكل كبير هذا الصيف. قأعلنت المانيا في 24 آب الفائت تجميد التزامها بإتفاقية دبلن وذلك افساحا في المجال امام السلطات الالمانية لاستقبال اللاجئين حتى ان كان عدد منهم اضطر لتقديم طلبات لجوء في اليونان او ايطاليا اوهنغاريا او اي بلد اوروبي آخر. ومع تدفق اللاجئين بشكل مضاعف بعد فتح المانيا ابوابها لهم اضطرت دول اوروبية اخرى لتحرير نفسها استثنائيا هي الأخرى وذلك لتسهيل مرور اللاجئين عبر اراضيها ودخول جنتهم الموعودة في المانيا، فأعلنت تشيكيا في الثاني من ايلول الجاري والنمسا في الرابع منه تجميد التزامهما بالمعاهدة افساحا في المجال لتخيير اللاجئين الذين يطأون اراضي البلدين بين اللجوء اليهما او مواصلة الطريق الى بلد اوروبي آخر.
أما هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا فهي الدول التي تصر على تطبيق المعاهدة بحذافيرها وهي ترفض حتى الآن بشكل قاطع نظام المحاصصة وتوزيع اللاجئين على شتى دول الاتحاد الذي تسعى الدول الاوروبية الغنية الى تبنيه في بروكسل في الاجتماعات الطارئة منتصف الشهر الجاري. فأمنيا أفادت مصادر في العاصمة المجرية بودابست ان رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربن سيرسل الجيش المجري لتشديد قبضته على الحدود مع صربيا ويغلقها تماما في وجه اللاجئين بعد 10 ايام وهي المدة الزمنية المتوقعة لتنتهي هنغاريا من بناء سياج شائك عال على طول حدودها مع دول البلقان. وقد تبنى البرلمان الهنغاري قانونا جديدا يحكم بسجن اي لاجئ يدخل بصورة غير شرعية الاراضي المجرية بالسجن لمدة اقصاها 3 اعوام، ولم يعرف بعد ما اذا كان هذا القانون سيطبق سريعا ضد اللاجئين الذين يعبرون هنغاريا هذه الايام في طريقهم الى النمسا والمانيا ام ان دخوله حيز التنفيذ لن يتم الا بعد انتهاء هذه الازمة.
اتفاقية شينغن
وقعت هذه الاتفاقية قرب منطقة «شينغن» في دوقية اللوكسمبورغ في 14 حزيران 1985 بمشاركة خمس دول هي المانيا الغربية واللوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا وفرنسا. ولم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ الا بعد معاهدة ماستريخت في العام 1997. وتوسعت عضويتها شيئا فشيئا خلال السنوات الـ14 الماضية حتى اصبحت تضم 26 بلدا اوروبيا 4 منها خارج الاتحاد الاوروبي هي النروج وايسلندا وسويسرا والليشتنشتاين، و22 بلدا اعضاء في الاتحاد الاوروبي هم: النمسا، وبلجيكا، وجمهورية التشيك، والدنمارك، واستونيا، وفنلندا، وفرنسا، والمانيا، واليونان، وهنغاريا، وايطاليا، ولاتفيا، وليتوانيا، واللوكسمبورغ، ومالطا، وهولندا، وبولندا، والبرتغال، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، واسبانيا، والسويد.
وتقضي الاتفاقية بإلغاء المراقبة الحدودية بين البلدان الاعضاء. ومنذ سنة 1997 يحق لكل مواطني البلاد الموقعة على الاتفاقية وكل المقيمين بصورة شرعية في اراضيها التنقل بحرية والعبور بين بلد وآخر دون الحاجة الى تأشيرة دخول (فيزا). ومنذ حدوث الازمة الاقتصادية العالمية عامي 2007 و2008 عقدت قمم واجتماعات عدة بين بعض الدول الموقعة للاتفاقية لدراسة امكانية تعديلها بعد ازدياد المخاوف من حصول اعمال ارهابية وتنامي مشكلة بقاء الاجانب الذين يحصلون على تأشيرة زيارة محدودة الزمن لدولة من دولة الاتفاقية اطول من الوقت المسموح لهم واختفائهم في دولة اخرى غير التي منحتهم التأشيرة مما يصعب على القوى الامنية المحلية واليوروبول مهمة العثور عليهم وترحيلهم. ولم ينجح اي اجتماع حتى الآن في احداث اي تعديل يذكر ولكن تم التشديد على كيفية منح تأشيرات الزيارة للقادمين الى اي بلد من بلدان الاتفاقية ومدتها بحسب الهدف من الزيارة والحالة المادية للشخص المسافر.
وتعاني في احيان كثيرة دول غير موقعة على شينغن من هذه الاتفاقية بسبب محاولات تسلل مهاجرين غير اوروبيين بصورة غير شرعية الى اراضيها عبر اراضي دول الاتفاقية. وتعتبر بريطانيا ابرز مثال صارخ على هذه الحالة، فلندن لم توقع الاتفاقية لكن رغم ذلك يتمكن عدد من المهاجرين القادمين من افريقيا او آسيا بعد دخولهم الى اي دولة من دول الشينغن الـ26 من استغلال عدم وجود رقابة حدودية بين دول الاتفاقية للوصول بسهولة الى المعابر المؤدية الى بريطانيا (كمعبر كاليه في فرنسا ومحطات النقل في هولندا وبلجيكا) للتسلل عبرها في الخفاء بصورة غير شرعية على متن وسائل النقل البرية التي تمر عبر نفق المانش او البحرية التي تعبر القناة وهناك ايضا من يحاول السباحة بين الشاطئين الفرنسي والانكليزي.
وللتصدي لهذه المشكلة وقعت بريطانيا وفرنسا الشهر الفائت اتفاقا يرتكز على انشاء «مركز للسيطرة والقيادة» في كاليه لإحباط محاولات المهاجرين غير الشرعيين والقاء القبض على مهربيهم الذين يقومون بإخفائهم على متن شاحنات وسيارات لإيصالهم مقابل المال الى الاراضي البريطانية. ووقع عقد الاتفاق وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي ونظيرها الفرنسي برنار كازونوف. واكدت ماي ان «بريطانيا ستتصدى ايضا الى اي محاولات اخرى للتسلل على اراضيها من نقاط اخرى غير كاليه ولهذا فقد تم تعزيز الوحدات الامنية في دنكرك. فنحن نتوقع عندما يسد معبر كاليه تماما بوجه الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين فإنهم قد يلجأون الى معابر اخرى في كل من هولندا وبلجيكا. ولهذا بدأنا ايضا اتصالات مع السلطات البلجيكية والهولندية من اجل التصدي لأي محاولة تسلل عبر المركبات التي تغادر اراضيهما متجهة الى بريطانيا». واعلنت وزارة الداخلية البريطانية ان «مركز السيطرة والقيادة الذي سيتم انشاؤه سيكون مشتركا وسيضم عناصر بريطانية وفرنسية من قوات ضبط الحدود. وسيرأسه مسؤولان امنيان كبيران من كلا البلدين يقومان بإرسال تقارير دورية الى الحكومتين البريطانية والفرنسية عن كيفية سير عمليات التصدي للمهاجرين غير الشرعيين». وتضمن الاتفاق ايضا بنودا اخرى ابرزها: نشر المزيد من قوات الشرطة الفرنسية في المنطقة. تقديم بريطانيا المزيد من التمويل لبرنامج التحصينات من كاميرات مراقبة وتكبير السياج لسد المنافذ الى نفق المانش (اليوروتانل). تعزيز وحدات التدقيق في المركبات المارة الى بريطانيا وبالتالي زيادة عديد كلاب التفتيتش.
ويقدر عدد المهاجرين الغير شرعيين المقيمين في مخيم كاليه المسمى بـ«الغابة» بـ3000 مهاجر فقط اغلبهم من بلدان افريقية وعربية وايضا من دول فيها صراعات مستمرة كأفغانستان. ونشرت صحف بريطانية عدة ان بعض شبكات التهريب يديرها بريطانيون واعربت وسائل الاعلام عن املها في ان تتمكن الخطة الجديدة من فضح هؤلاء واحالتهم الى المحاكمة. وتلقي الحكومة البريطانية اللوم بالدرجة الاولى على اتفاقية الشينغن التي تشمل معظم الدول الاوروبية بما فيها فرنسا. ورغم تفاقم هذه المشكلة في الاشهر الـ8 الاولى من هذا العام الا ان التعاطف الذي حصل مؤخرا بسبب صور جثة الطفل ايلان مع هؤلاء المهاجرين الذين يرمون انفسهم وسط هذه الاخطار من اجل حياة كريمة، دفع البريطانيين حكومة وشعبا الى اعادة النظر في مشكلة «غابة كاليه» وقررت الحكومة مبدئيا دراسة حالة كل من يسعى للوصول الى بريطانيا ومنحه اللجوء او تاشيرة دخول في حال تم التأكد من عدم تشكيله خطرا على الامن البريطاني او قدرته على العمل في مجال ما هناك نقص في اليد العاملة فيه.
ميثاق الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي
كتبت مسودة هذا الميثاق في 7 كانون الاول 2000 ولم يتم تبنيه كقانون مثل اي اتفاقية اخرى الا عند ادخال معاهدة لشبونة حيز التنفيذ في مطلع كانون الاول 2009. ويتيح هذا الميثاق في احد بنوده حرية تنقل مواطني دول الاتحاد الاوروبي الى اي بلد عضو في الاتحاد كما يسمح لهم الاقامة والعمل في اي بلد يشاؤون.
والميثاق مؤلف من سبعة فصول: الاول يضمن كرامة الانسان وحقه في الحياة ويحرم التعذيب والعبودية وعقوبة الاعدام. الثاني يتحدث عن الحريات وحقوق الانسان بالخصوصية وحرية التعبير والمعتقد والتفكير والتجمع والتملك والتعليم واللجوء. الثالث يضمن المساواة بين الناس جميعا امام القانون بغض النظر عن لونهم او عرقهم او دينهم او ميولهم الجنسية. الرابع عن التضامن بين العمال لحماية حقوقهم وشؤون الضمان الصحي وسن التقاعد. الخامس يتيح لمواطني دول الاتحاد حرية التنقل والاقامة والعمل والتصويت في الانتخابات في البلد في الذي يقيمون فيه. السادس يتحدث عن امور القضاء والعدالة والامور الشرعية. اما الفصل السابع والاخير فيحتوي شرحا لكيفية تطبيق الفصول الستة.
ادى تطبيق هذا الميثاق منذ اواخر العام 2009 الى تسليط الضوء على الفارق الكبير بين دول شرق اوروبا وجنوبها من جهة ودول شمال اوروبا وغربها من جهة اخرى. فقد شهد الاتحاد الاوروبي في الاعوام الخمسة الماضية موجات نزوح هائلة من دول اوروبا الشرقية والجنوبية الى الدول الشمالية والغربية بسبب الطمع بحياة كريمة في بلدان قوية الاقتصاد تملك منظومات تقاعد ورعاية صحية مجانية لا وجود لمثيل لهما في العالم. هذا النزوح ادى الى فقدان الدول الاوروبية الفقيرة ايديها العاملة فازداد وضعها الاقتصادي والتجاري والانتاجي سوءا بينما تعرضت الدول الغنية لضغط سكاني هائل سبب ارتفاع معدلات بطالة مواطنيها اثر دخول الاوروبي الشرقي والجنوبي للعمل فيها بمعاشات اقل بكثير من المواطن المحلي. هذا الضغط الهائل على عدة بلدان ابرزها بريطانيا دفع رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون الى المطالبة بتعديل هذا الميثاق لأن بريطانيا كي تحمي اقتصادها ومجتمعها يجب ان لا تستقبل اي مواطن من دول الاتحاد الاوروبي عاطل عن العمل لأن البريطاني له الاولوية بالعمل في بلده. وهدد بأنه في حال لم توافق بروكسل على طلبات تعديل الاتفاقيات والمواثيق الاوروبية بالصورة التي تناسب بريطانيا قإن الشعب البريطاني سيصوت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي في استفتاء سيجري في موعد لم يحدد بعد اقصاه نهاية العام 2017.
خطر الازمة على أمن أوروبا واستقرارها
مع توافد المهاجرين غير الشرعيين الى شواطئ ايطاليا واليونان وتعاظم نفوذ «داعش» في سوريا والعراق وليبيا وتصعيد عملياتها الارهابية ضد المواطنين الاوروبيين كما حصل في فرنسا وتونس، اصبح الهاجس الامني هو المسيطر على اسلوب تعامل الحكومات الاوروبية مع ازمة الهجرة غير الشرعية. ولذلك وجدت معظم دول الاتحاد الاوروبي في معاهدة دبلن منذ اجراء آخر التعديلات عليها في عام 2013 الجواب الافضل لهواجسها الامنية على امل ان يتم التنسيق لحل ازمة هؤلاء المهاجرين مع كل من ايطاليا واليونان عبر ترحيل اغلبيتهم الى الشواطئ المتوسطية التي اتوا منها. لكن الرياح لم تجر كما تشتهي بعض مراكب هؤلاء المهاجرين وادت حوادث الغرق المتكررة الى وضع استراتيجية ارسال زوارق ومراكب اغاثة لإنقاذ ارواح هؤلاء المساكين وكشف شبكات التهريب وتجار البشر والقاء القبض على مجرميها. وبحسب معاهدة دبلن، فإن فتح ملف لكل لاجئ، يتضمن التقاط صورته واخذ بصماته، امر ضروري حيث يتم تعميم هذا الملف على سائر اقسام الامن والشرطة في شتى انحاء الاتحاد الاوروبي والدول الصديقة له كالولايات المتحدة. وهذا الامر اجباري من اجل إعطاء هوية محددة لهذا الشخص والنظر ايضا في سجله العدلي وما اذا كانت بصماته مسجلة في جريمة ما في اي بلد في العالم .
لكن الخطط الامنية البحتة للتعامل مع الازمة سقطت قيمتها الاخلاقية بشكل تام مع تصدر صور الاطفال الغرقى شاشات محطات التلفزة والصفحات الاولى لصحف العالم، الامر الذي اجبر بعض الحكومات الاوروبية، التي كانت تعارض استقبال مزيد من اللاجئين في اراضيها، على تغيير مواقفها وابداء رغبتها في تحمل مسؤوليتها الاخلاقية تجاه هذه الازمة.
لكن تغير مواقف الحكومات وزعماء هذه الدول لايعني ان شعوبها ترحب بالضرورة باللاجئين. فقد ادى تفاقم الازمة الى انقسام شعبي في كل دولة بما فيها المانيا بين مرحب باللاجئين ورافض لهم. وقامت المجموعات القومية المتطرفة والنازية الجديدة بإحراق عدد من المباني السكنية المخصصة للاجئين في محيط مدينة درزدن الالمانية في انذار واضح الى اللاجئين ان المانيا قد لا تكون في نهاية المطاف الجنة التي يحلمون بها وساروا من اجل الوصول اليها دروبا طويلة شاقة بحرا وبرا.
ويحذر مراقبون انه في حال استمرت الحرب السورية مدة اطول واستمر زحف اللاجئين الى القارة البيضاء قد يؤدي هذا الى احداث شغب واشتباكات داخل المجتمعات الاوروبية قد يدفع ثمنها بعض اللاجئين حياتهم على ايدي الجماعات المتطرفة التي لم تتردد في وصف اللجوء بهذه الاعداد الكبيرة بـ«الاجتياح الاسلامي للقارة المسيحية». وتحفل شتى مواقع الاعلام الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات مختلفة ايجابية وسلبية حيال هذه الازمة التي تهدد كيان الاتحاد الاوروبي والمعاهدات التي اسس عليها. ويأمل قادة الاتحاد في اجتماعاتهم المقبلة في بروكسل ابتداء من 14 ايلول الجاري صياغة حلول ومخارج لهذه الازمة قبل ان تتفاقم اكثر وتهدد بشكل اكبر وحدة الاسرة الاوروبية.
اغلب اللاجئين الذين يجتاحون اوروبا في هذه الايام هم من سوريا والعراق والسودان وافغانستان واريتريا. وطرقهم تبدأ من البلقان عبر تركيا او من اليونان وايطاليا عبر البحر المتوسط، وغالبا ما تنتهي في بلدان غرب وشمال اوروبا كألمانيا وفرنسا والسويد. والطريق الاكثر شعبية لدى المهاجرين هي من اليونان الى مقدونيا وصربيا ومنهما الى هنغاريا وباقي الدول الاوروبية. وتحاول هنغاريا الآن الاسراع في اتمام بناء سياج على طول حدودها مع البلقان للحد من مد اللاجئين الآتي من الشرق. ويقدر عدد اللاجئين الذين يتوقع ان يحصلوا على لجوء في المانيا مع نهاية العام الجاري بحوالى 800 الف لاجئ، فيما طالبت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة دول الاتحاد الاوروبي بضرورة منح اللجوء لما لا يقل عن 200 الف لاجئ.
أما اعداد المهاجرين التي قدمت طلبات لجوء رسميا الى دول اوروبية حتى الآن فهي كالتالي: اليونان 1120، وبلغاريا 1630، وهنغاريا 16580، وسلوفاكيا 10، ومالطا 120، والليشتنشتاين 10، وايطاليا 5335، وسلوفينيا 10، وسويسرا 3805، والمانيا 35445، وبولندا 860، وليتوانيا 10، ولاتفيا 50، واستونيا 25، وفنلندا 770، والسويد 6620، والنروج 1145، وهولندا 3085، وبلجيكا 2895، وفرنسا 5600، واللوكسمبورغ 105، وبريطانيا 5000.
صحيفة المستقبل اللبنانية