أزمة اليسار الإسرائيلي: الغالبية تراه معسكراً «أكل الدهر عليه وشرب» (أسعد تلحمي)

أسعد تلحمي

 

أكدت نتائج استطلاعات الرأي العام في إسرائيل والتي نشرت الأسبوع الماضي غداة إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو تبكير موعد الانتخابات العامة إلى كانون الثاني (يناير) المقبل، من جديد عمق الأزمة التي يعيشها اليسار الإسرائيلي منذ عام 2000 واستحالة أن يُغري الإسرائيليين بأنه بديل لحكم اليمين المتشدد بزعامة نتانياهو، إذ تبين أن حزب «العمل» الذي يعتبر إسرائيلياً أنه يساري و«قائد معسكر السلام»، سيحصل في أحسن الأحوال على 20 مقعداً في الكنيست المقبلة، وأن حزب «ميرتس» اليساري سيفوز بـ 3-4 مقاعد فقط، أي أن تكتل اليسار الصهيوني لن يحوز على أكثر من 20 في المئة من مقاعد الكنيست، بينما ستشكل مقاعد اليمين 55 في المئة من المقاعد الـ 120 على الأقل (16 في المئة للوسط، و9 في المئة للأحزاب العربية).
ويعتبر البعض أزمة «العمل» أيديولوجية تمثلت أساساً في فشله في إقناع الإسرائيليين بأجندته الداعية إلى «حل الدولتين»، خصوصاً بعد فشل مفاوضات «كمب ديفيد» عام 2000 واندلاع الانتفاضة الثانية التي أسدلت الستار على حكومة زعيم الحزب إيهود باراك بعد أقل من عامين على ولايته، وجاءت بزعيم «ليكود» آريئل شارون رئيساً للحكومة لخمس سنوات متتالية. كما ساهمت العمليات التفجيرية في أنحاء إسرائيل في العامين 2002-2003 في تعزيز نفوذ اليمين الإسرائيلي وانحسار شعبية «العمل» تباعاً إلى أدنى تمثيل عرفه في تاريخ الكنيست (13 مقعداً) على رغم تناوب خمس شخصيات على زعامته خلال أقل من عقد من الزمن. وكان اليسار الإسرائيلي بزعامة زعيم «العمل»، رئيس الحكومة السابق اسحق رابين حصد عام 1992 نحو 49 في المئة من الأصوات تراجعت عام 2009 إلى 29 في المئة.
وكان باراك دق المسمار الأخير في نعش الحزب قبل أقل من عامين حين تنازل عن زعامته له وانشق عنه وأربعة نواب آخرين شكلوا حزب «عتسمؤوت» وتركوا «العمل» مع ثمانية مقاعد، فاعتبره معلقون «حفّار القبر».
وعلى رغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة تتنبأ باستعادة الحزب بعض عافيته وفوزه بنحو 20 مقعداً في الانتخابات المقبلة، إلا أن هذا الارتفاع يعود إلى سببين: الأول تبني زعيمة الحزب شيلي يحيموفتش أجندة اجتماعية – اقتصادية على حساب تهميش الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، والثاني عودة ناخبي الحزب الذين انتقلوا إلى «كديما»، وليس على حساب اليمين.
ولا تبشر نتائج بحث عن مآل اليسار الإسرائيلي نشره أخيراً «مركز التجدد الديموقراطي»، خيراً لمستقبل اليسار الإسرائيلي، إذ أظهرت أن الصورة المرتسمة لليسار الإسرائيلي تفيد أنه يعاني تآكلاً كبيراً في الرأي العام ومن صورة مهزوزة «بل كَمَن أكل الدهر عليه وشرب»، وأنه ليس جدياً، وهو غير موثوق ومتعالٍ ونخبوي لا يملك الأجوبة على مسائل الأمن القومي لإسرائيل.
ولعل المعطى الأبرز الذي جاء به الاستطلاع الذي شمل ألف شخص من الأعمار المختلفة، أنه على رغم أن 60 في المئة من الإسرائيليين يرون أن «الدولة حادت عن طريقها الصحيح» في مقابل 25 في المئة فقط يرون أنها تسير في الدرب الصحيح، إلاّ أن 53 في المئة يعتقدون أن اليمين هو القادر على تصريف أمور الدولة في شكل جيد في مقابل أقل من الثلث منحوا اليسار هذه القدرات.
وأفاد الاستطلاع أن المشكلة الرئيسة التي يعانيها اليسار هي في أوساط الشباب، إذ أن ربعهم فقط يملك رأياً إيجابياً عنه في مقابل ثلثين لديهم نظرة سلبية عنه. وعزا باحثون هذه النتيجة إلى حقيقة أن هذه الشريحة (18-28 سنة) فتحت عينيها على حكم اليمين من دون أن تقتنع بالخيار الذي يقترح اليسار. لكن هذه الأرقام لا تختلف كثيراً في أوساط من هم بين 30-40 سنة. ويسوء وضع اليسار حين يُسأل الشباب عن الأوضاع الأمنية، إذ يعتقد 28 في المئة فقط أن اليسار يملك حلولاً جيدة للتحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل.
وفي قراءة للنتائج، رأى باحثون أن الجيل الحالي من الإسرائيليين لم يعد يولي الاهتمام للقيَم الجيدة التي قام عليها اليسار، ولا لـ «التكافل والوحدة القومية التي حلت محلها الانفرادية والنفعية وحب الذات والانغلاق والبلادة تجاه الغير». ورأى أحدهم أن جل ما يقوم به اليسار الإسرائيلي هو التوقيع على عرائض وتنظيم تظاهرات من دون أن يكون لديه برنامج عملي لحل مشكلات المواطن اليومية وتطلعاته الحقيقية، «وقد فشل فشلاً ذريعاً في بناء واقع بديل للحكم المسيطر أو في فرض إصلاحات جوهرية على نظام الحكم، وطالما تمرّغ في وحل القيم والأيديولوجيا فإنه لن تقوم له قائمة».
وأضاف أن الاستطلاع أظهر أن الإسرائيليين باتوا يقسمون الخريطة السياسية إلى معسكرين رئيسيين يتماثلون مع أحدهما، الأول يمثل روح الليبرالية والتنور والعصرنة ويعتبر الديموقراطية منظومة قيم تبلور الشخصية ويواجه الواقع بأفكار خلاقة، بينما الثاني يضم كل القوى التي تعتبر الديموقراطية وسيلة لتحقيق غالبية القرارات «ذات أهداف قبلية ودينية ومسيحانية وقومية متطرفة ويواجه الواقع من خلال التجلي الإلهي». وأضاف أن مشكلة اليسار ليست في البحث عن أجندة سياسية أمنية واجتماعية – اقتصادية، إنما في كيفية بناء مجتمع يحل المشاكل، و«عندما يتم تحقيق ذلك، يمكن إيجاد الأجوبة الملائمة للمشاكل والمسائل التي تشغل بالنا».
على رغم ذلك يستمد أصحاب المركز بعض التفاؤل من أرقام أخرى جاء بها الاستطلاع، في مقدمها أن 52 في المئة يرون أن اليمين يعمل لمصالح خاصة على حساب غالبية الإسرائيليين، وفقط 42 في المئة قالوا إن اليمين يملك حلولاً جيدة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
وخلص أحد المعلقين إلى القول إن الجمهور الإسرائيلي لم يتحرك نحو اليمين، بل الأصح القول إنه هرب من اليسار. ويضيف أن مصوّت اليمين على أحزابه المختلفة، يعرف مسبقاً أنه يصوت لمعسكر سيقوده نتانياهو بل يمكنه أن يتوقع تشكيلة الحكومة المقبلة وبرنامجها، بينما اليسار لا يطرح على الناخب أجندة واضحة، ولا تشكل أحزابه معسكراً سياسياً موحداً، بل ترفض الالتزام مسبقاً بأنها تكون في المعارضة لنتانياهو، ما يعني أن هذه الأحزاب تعطي عملياً الشرعية لنتانياهو. وختم قائلاً إن عودة اليسار قوةً مركزية في الشارع الإسرائيلي تتطلب ليس فقط إعادة بلورة البرنامج القائم، إنما طرح سياسة موثوق بها في المسائل المركزية تتيح أن يصبح اليسار عاملاً حيوياً وأميناً في الشارع الإسرائيلي.

 

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى