أزمة مالية جامحة تحدّ من قدرة البشير على احتواء الغضب الشعبي

 

قال خبراء اقتصاديون ومصرفيون، إنه يجب على السودان تنفيذ إصلاحات جذرية أو طلب إنقاذ مالي من دول صديقة لانتشال اقتصاده من المنحدر الذي ساعد في إطلاق احتجاجات واسعة تهز البلاد حاليا. وتواجه الحكومة عجزا كبيرا في الميزانية بسبب تكلفة دعم الوقود والخبز ومنتجات أخرى. ولتغطية هذا العجز، فإنها عمدت إلى توسيع المعروض النقدي.

لكن هذا الخيار ساهم في انخفاض قيمة العملة، مما تسبب في صعود حاد للتضخم وهبوط كبير في قيمة الجنيه السوداني وهو ما دفع بدوره تكلفة الدعم للارتفاع وتسبب في زيادة العجز. وأثارت محاولات لرفع أسعار الخبز والوقود بهدف تقليص تكلفة الدعم احتجاجات ستدخل قريبا شهرها الثاني وهو ما يمثل أطول تحد يواجه الرئيس السوداني عمر البشير الذي قضّى ما يقرب من 30 عاما في السلطة.

وقال مصرفي سوداني طلب عدم نشر اسمه “الاضطرابات في الوقت الحالي وكل ذلك الذي يجري، لا يعدو أن يكون انعكاسا لتراكم الفقر وبقاء الرواتب كما هي واستمرار ارتفاع الأسعار”، مضيفا “لا أحد، ولا حكومة، يمكنها مواصلة ذلك“. وأعلنت الحكومة عن برنامج تشقف طارئ مدته 15 شهرا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكنها ما زالت تقدم دعما كبيرا للسلع الأساسية.

والبنزين في السودان أرخص من أي مكان آخر في العالم تقريبا. وتحدد الحكومة سعره عند 6.17 جنيه سوداني للتر وهو ما يعادل نحو 13 سنتا أميركيا وفقا لسعر الصرف الرسمي أو نحو 10.6 سنت بسعر الصرف في السوق السوداء. ويُباع الديزل بسعر 4.25 جنيه سوداني للتر.

وبالنسبة للخبز، تدفع الحكومة لتجار القطاع الخاص 680 جنيها دعما عن كل 150 كيلوغراما من الدقيق الذي يستوردونه. وقال مصرفي إن الجوال الواحد يبلغ سعره في العادة نحو 1230 جنيها. وبعد ذلك تحدد الحكومة سعر البيع بالتجزئة للخبز عند جنيه واحد لكل 40 غراما. ويقول مصرفيون إن الزيادة السابقة في السعر كانت في يناير/كانون الثاني 2018، عندما تم رفع سعر الرغيف من نصف جنيه في تحرك أطلق جولة احتجاجات محدودة.

لكن أثر الدعم على التضخم من الصعب تقديره بوضوح، لأن وزارة المالية لم تنشر بعد موازنة 2018 أو 2019 على موقعها الالكتروني. ومعظم التكلفة لم يتم الكشف عنها أو تحًملها البنك المركزي وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي. وتظهر إحصاءات البنك المركزي أن نمو المعروض النقدي زاد من مستوى سنوي منخفض بلغ 14.3 بالمئة في أبريل/نيسان 2016 إلى 88.3 بالمئة في أبريل/نيسان 2018، قبل أن يتراجع مجددا إلى 76 بالمئة في أغسطس/آب. ومع نقص أوراق النقد، فإن معظم الزيادة في المعروض النقدي كانت إلكترونية أو عبر شيكات.

وقال ثلاثة مصرفيين في الخرطوم إن نقص أوراق النقد يرجع إلى أسباب من بينها تعطل ماكينة طباعة الأوراق النقدية الوحيدة في البلاد في أوائل 2018، مما ترك البنك المركزي يسارع إلى طلب أوراق نقدية من الخارج. ويقف العملاء في طوابير لساعات أمام البنوك وماكينات صرف النقود.

وقال مصرفي إن فضائح علنية في بنكين منفصلين فاقمت المشكلة، مما تسبب في تدافع محدود على سحب الودائع من البنوك في النصف الثاني من 2018. وقال مصرفي آخر، إن ارتفاع التضخم أدى إلى قيام العملاء بإفراغ حساباتهم والبحث عن استثمار آخر. وتظهر بيانات رسمية أن التضخم ارتفع إلى نحو 70 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

ويقدر ستيف هانكي الخبير في العملات المتعثرة لدى جامعة جونز هوبكنز أن معدل التضخم السنوي الفعلي بلغ 91 بالمئة في 15 يناير/كانون الثاني على أساس سعر الصرف في السوق السوداء وتعادل القدرة الشرائية. ويعني ذلك أن معدل التضخم على أساس شهري يقل كثيرا عن 50 بالمئة وهو معيار للتضخم الجامح. لكن هانكي يقول إن التضخم ما زال مرتفعا على نحو مقلق، مع معاناة فنزويلا وزيمبابوي والأرجنتين فقط من زيادات أكبر في الأسعار.

وقال “هم يواجهون مشكلة في خفض الدعم ولا يمكنهم الذهاب إلى سوق السندات الدولية للحصول على المال لذلك هم يقومون بشكل أساسي بتشغيل ماكينة طباعة النقود”.

والبنوك السودانية ملزمة بإتباع قواعد التمويل الإسلامي التي تحظر الفائدة وهو ما يقيد حجم الأموال التي يمكن للحكومة أن تجمعها محليا من خلال أذون الخزانة والسندات التقليدية.

وفي العادة، تلجأ الدول التي تقع في مثل هذا المأزق الخطير إلى صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم في الوقت الذي تنفذ فيه الخطوات المؤلمة التي يطالب بها لتصويب أوضاعها المالية. لكن واشنطن تدرج السودان كدولة راعية للإرهاب وتعهدت باستخدام حق النقض ضد أي طلب للمساعدة تقدمه الخرطوم إلى صندوق النقد لحين امتثالها لسلسلة من المطالب السياسية والإنسانية والأمنية.

وعلى مدى سنوات، تراكم على السودان أيضا عبء دين خارجي معرقل يزيد عن 50 مليار دولار، معظمه مستحقات متأخرة بما في ذلك 1.3 مليار دولار مُستحقة لصندوق النقد، وفقا لتقرير صادر عن الصندوق في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وقال مصرفي ثالث “ما لم يحصلوا على نوع من التمويل الخارجي، سيكون إلغاء الدعم بمثابة انتحار للحكومة. هم بحاجة إلى برنامج إصلاح جذري”.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى