أزمة نوبل للآداب وأزمات الجوائز العربية
لا شك أن إعلان الأكاديمية السويدية للآداب، التي تمنح كل عام جائزة نوبل للآداب، تأجيلها اختيار الفائز لهذا العام إلى 2019، يمثل نوعاً من هزة أرضية في الأوساط الثقافية في العالم. فالجائزة التي بدأ منحها عام 1901، بناءً على وصية العالم ألفريد نوبل لإنشاء جائزة باسمه تمنح لمن يثرون المشهد الإنساني ويخدمون البشرية في حقول متعددة، تتوقف الآن ليعيد أعضاء الأكاديمية ترتيب أوضاعهم وتحسين سمعة الأكاديمية السويدية للآداب التي فقدت مصداقيتها على أثر اتهام عدد من النساء زوج أحد أعضاء الأكاديمية بالتحرّش الجنسي، وكذلك اتهامه بتسريب أسماء سبعة من الفائزين بالجائزة خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى وجود شبهات فساد مالية تتعلق بالعلاقة بين نادٍ أدبي يمتلكه الشخص نفسه والأكاديمية. وقد أدّت هذه الاتهامات إلى نشوب صراع داخل اللجنة بين الأعضاء المطالبين بإقالة عضو اللجنة- زوجة المتهم بالتحرش- والأعضاء الذين يطالبون ببقائها، ما أدى إلى استقالة ثلاثة من الأعضاء، وإقالة سكرتيرة اللجنة الحالية سارة دانيوس من منصبها لكونها من الأعضاء المطالبين بإقالة زميلتها زوجة المتهم والتحقيق في شبهات التحرش الجنسي والفساد المالي وتضارب المصالح التي تعصف باللجنة. وبعد استقالة ثلاثة أعضاء، ووجود أعضاء لا يشاركون في أعمال اللجنة منذ سنوات، أصيبت الأكاديمية بالشلل ولم تعد قادرة على اتخاذ القرارات أو اختيار القائمة القصيرة للجائزة التي تتمّ، كما يقال، في بداية شهر أيار (مايو) من كل عام، ليجري النقاش حول من يستحق الجائزة من الأسماء الخمسة التي تتضمنها القائمة القصيرة. وبهذا المعنى، لن يعلن عن فائز بجائزة نوبل للآداب في تشرين أول (أكتوبر) المقبل، ولن ينشغل الكتّاب والمثقفون والصحافيون في العالم بالسجال الذي ينفتح عادة قبل منح نوبل وبعدها. وهذه سابقة لم تحدث سابقاً إلا في أعوام الحربين العالميتين الأولى والثانية تقريباً، فلم تمنح الجائزة في الأعوام 1914 و1918 و1935 و1940 و1941 و1942 و1943.
مشكلة الجائزة، أو ربما مشكلة الأكاديمية السويدية للآداب، تتمثَّل في الهالة التي تُضفى على أعضاء الأكاديمية المعينين مدى الحياة، فلا تسقط عضويتهم إلا بالموت، ولا يحل محلهم أحد إلا بعد رحيلهم إلى العالم الآخر، ولا يزيدون عن ثمانية عشر عضواً حتى ولو استنكف أحدهم عن الحضور أو احتجَّ لسنوات، فلا يشارك فيها بالنقاش حول القوائم القصيرة ولا يصوّت في جلسة اختيار الفائز. لقد حظيت اللجنة بنفوذ وسلطة لا يُكبحان، ما جعل قراراتها مقدسة لا يجوز الاعتراض عليها حتى ولو كانت من قبيل منح كاتب الأغاني والمغني الأميركي بوب ديلان الجائزة عام 2016 متخطياً عدداً كبيراً من الأسماء الأدبية اللامعة والمتميزة في غرب المعمورة وشرقها، شمالها وجنوبها. وهو الأمر الذي رسخ نوعاً من الحكم المطلق في أروقة الأكاديمية ومنح أعضاءها حصانة جرى تأويلها في السابق على محمل مصداقية اللجنة التي تمنح أرفع جائزة تكافئ الأدب في العالم. لكنّ تجرؤ 18 امرأة، معظمهن من زوجات أعضاء الأكاديمية وبناتهم، على الحديث الى الصحافة السويدية عن تحرشات واعتداءات جنسية قام بها جان كلود آرنو، مستخدماً الحصانة التي تمتلكها زوجته كاتارينا فروستينسون في الأكاديمية، فجَّر قنبلة في أوساط أكبر محفل أدبي في السويد، وربما في العالم. لقد أطاحت الفضيحة التي بدأت فصولها في التكشف نهاية العالم الماضي، بصرح الأكاديمية، ما دعا ملك السويد كارل غوستاف، الى التدخل والحديث عن إعادة النظر في عضوية الأكاديمية وأساليب عملها.
ويطرح علينا مثلُ نوبل للآداب، وهي لا شك أرفع جائزة أدبية تمنح في العالم وتضفي الخلود والحضور الكوني على الفائزين بها، بغض النظر عن كل الانتقادات التي وُجّهت إليها خلال ما يزيد على القرن، وعلى رأسها مركزيتها الأوروبية، وانحيازها الى الرجال من دون النساء، ما يفسر قلة عدد النساء اللواتي حزن على نوبل للآداب، ضرورة الحديث عن الجوائز العربية التي يعصف بها الكثير من الاتهامات الهامسة أو التي يجهر بها أصحابها.
تعاني الجوائز العربية، وعلى رأسها الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، مثلها مثل نوبل، من عدم تغيّر مجالس أماناتها، إلا فيما ندر، أو يجري الحديث عن النفوذ غير المحدود الذي يتمتع به بعض أعضائها، أو سوء اختيارها اللجان التي أصبحت تتحفنا كل عام بالأقل أهمية والأدنى مرتبة مما يطرح من أعمال أدبية. ولا أظن أن هذه الانتقادات التي توجه الى الجوائز العربية والقائمين عليها هي مجرد افتراءات أو نميمة أو رجم بالغيب لأن الأعمال التي تتوج بالفوز خلال السنوات الأخيرة تساهم للأسف في إعطاء صورة غير حقيقية عن الوضع الأدبي والثقافي في العالم العربي، بل تساهم في انهيار هذا الوضع، بسبب الآلة الدعائية التي تمتلكها هذه الجوائز التي توجه ذوق القارئ وتدفعه إلى قراءة الأعمال الأدبية الضعيفة التي تتصدر قوائم الأكثر مبيعاً في أثر فوزها.
وبغض النظر عن البون الشاسع الذي يفصل الجوائز العربية عن جائزة نوبل للآداب أو المان بوكر البريطانية أو بوليتزر الأميركية أو سيرفانتس الإسبانية، فإن الجوائز العربية بحاجة إلى إعادة نظر في طرق عملها وأماناتها العامة وأساليب اختيارها اللجان والمعايير التي تختار بموجبها الفائزين. فمن دون إجراء هذه المراجعة ستكون هذه الجوائز وبالاً على الأدب والثقافة العربيين بدلاً من أن تمثل محفزاً وباعثاً على النهوض بهما، في زمن تتمزّق فيها الأوطان ويخيّم الغموض على مصائر العرب المعاصرين.
صحيفة الحياة اللندنية