أزياء المصريات موضتان ومعياران واقتصاد واحد

الموضة في مصر موضتان، والأناقة أناقتان، والعطر عطران، حتى معيار الهندّمة معياران ومقياس المواكبة للعصر مقياسان. هكذا يقول الشارع فعلاً لا قولاً، وهكذا تنطق واجهات المحال شكلاً لا موضوعاً، وهكذا تسير الحياة على الصعد كلها على مرّ نحو أربعة عقود من الزمان، والموضة ليست استثناء.

استثناء المظهر العام للمرأة المصرية من واقع الحياة في مصر باعتباره معياراً ومقياساً لا يمكن تبريره أو تفسيره إلا في ضوء نظرية المؤامرة. فمظهر المرأة وملابسها وانتقاؤها الموضات التي تتبعها دوناً من غيرها يقول الكثير ويعكس المسكوت عنه، ويفضح ما جرى وما يجري في مصر من تقلّبات اقتصادية وانقلابات اجتماعية وقليبات باسم الدين والتديّن.

موجة التديّن الشكلي الهادرة التي تضرب ربوع مصر منذ عقود تتجلّى وتعبر عن نفسها في تمدد ظاهرة محال الملابس «الإسلامية» ومن ثم مصانعها «الإسلامية» وخطوطها «الإسلامية»، وتجارتها الحلال وبالطبع أرباحها الحلال تمددت من بضعة محال تروّج لنفسها باعتبارها عنوان المرأة الملتزمة وأناقة الفتاة المحتمشة، إلى أسلوب حياة وقطاع تجاري ربحي قائم بذاته، يحوي محال تبيع القطعة الواحدة ببضعة آلاف من الجنيهات، ورصيفاً يتسع لقطع الواحدة بـ «اثنين ونصف وتعالى وبص».

بصيص الضوء الذي يلقيه تمدد الأزياء الإسلامية على صعيد المرأة المصرية يشير إلى صرعات وموضات تفرض نفسها على رغم أنف الجميع. وعلى رغم أن هناك قطاعاً يصعب تحديد معالم واضحة له أو تصنيفه تحت بند فئة دوناً عن غيرها، حيث النقاب الأسود الذي يُفترض ألا يعكس فئة أو طبقة أو صرعة ما، إلا أن المصريات تمكّن من تصنيفه وإخضاعه لصرعة هنا أو موضة هناك. ولم يكن ظهور إحدى المرشحات الطامحات إلى الفوز بمقعد نيابي في عدد من القنوات الفضائية وهي ترتدي نقاباً أبيض اللون مع غطاء رأس بألوان العلم المصري بينما تبرز عيناها مفرطتين في التكحّل، غارقتين في ظلال العيون بارزتين بـ «ماسكارا» لا تخطئها العيون إلا ترجمة فعلية كاشفة لنوعية من مرتديات النقاب، تختار الغالبية عدم التطرق إليها نظراً إلى حساسية الأحاديث ذات الصبغة الدينية.

وتشير الصبغة الدينية الطاغية على واجهات محال الملابس في منطقة وسط القاهرة ومراكز تجارية وسلاسل محال الملابس المصرية، إلى أن ملابس المحجبات عنوان تندرج تحته أنواع عدة وأشكال شتى. فبين ملابس كاشفة فاضحة لا تدع الكثير لعمل الخيال وتشفع لصاحبتها برداء مطاطي يلتصق بالجسم بلونه وملمسه فيعوّض فكرة التغطية بمحاكاة الحقيقة، وأخرى تمسك بالعصا من المنتصف حيث ملابس عصرية تحمل ملامح الخطوط الحداثية من «جينز» مقطوع و»تي شيرت» مخلوع وفستان مشلوح، ولكن بتعادل معقول حيث بطانة للقطعات و»جاكيت» أو «بوط» للتقصيرات وهلّم جرا، وثالثة تلتزم أزياء واسعة لا مجال لمعادلة فكرة الحجاب والاحتجاب فيها بالتفاف هنا أو هناك، تتعدّد الواجهات وتتراوح الأذواق.

ويظل الذوق العام اتجاهاً تحدده الموضات، تارة بقرار من تلك الواردة عبر البحار والمحيطات، وطوراً من خلال أدمغة مصممي الأزياء وواضعي الخطوط في مصر، وإن ظل كلاهما متشابكين متداخلين. سلاسل محال الملابس المصرية التي صنعت لنفسها اسماً في السنوات الأخيرة تستقي من الخطوط العالمية ثم تخضعها للتمصيُر. والتمصيُر في أزياء المرأة المصرية له شقان: الأول اجتماعي والثاني ديني. فطبيعة الملابس المحافظة للمرأة والفتاة المصرية تقف حجر عثرة أمام خطوط غربية. وأضيف لها الشق الديني بعد اتجاه الغالبية العظمى من الإناث إلى تغطية الشعر ومن ثم الالتزام بمعايير معيّنة في الملابس.

لكن يخطئ من يظن أن كل من ترتدي الحجاب تنتمي إلى نوعية بعينها أو فئة بذاتها اجتماعياً أو اقتصادياً. تقول منة حسين صاحبة «بوتيك» ملابس في حي مصر الجديدة الراقي، إن «كثيرات من بنات الطبقات الراقية يرتدين الحجاب، لكنه حجاب يختلف عن ذلك السائد في محال وسط القاهرة أو على الأرصفة حيث الأذواق الشعبية. فهنّ يعتمدن إما على شراء الملابس المستوّردة المناسبة للحجاب، أو تعديل بعضها الآخر عبر جاكيت أو بوط أو ما شابه».

وقد نزل خبر استعانة أحد أكبر محال الملابس السويدية بعارضة أزياء محجّبة برداً وسلاماً على قطاع من النساء والفتيات في مصر ممن يرتدين الحجاب ذا المقاييس المختلفة عن ذلك السائد في الأسواق. وتلفت مريم سليمان (34 سنة) إلى أن «بعضهم لا يزال يعتقد بأن الحجاب يعني شكلاً واحداً من أشكال الملابس أو أنه يعكس توجهاً متواضعاً في الذوق، وهو ما نراه كثيراً من خلال أغطية الشعر المبهرجة أو ذات الطبقات المتعددة أو الكرانيش المتناثرة، وكذلك في تنانير جينز تمسح الأرض لفرط طولها، أو بلوزات متضاربة الألوان، أو حتى في إختيار لباس المساء والسهرة في وضح النهار، وكأنها محاولة من المحجّبة للفت الأنظار. لكن الحقيقة أن ملابس المحجبات فيها فئات وقطاعات تماماً مثل ملابس غير المحجّبات. وهناك محال وإن ظل عددها محدوداً وأسعارها باهظة، تتخصص في ملابس أنيقة جداً لهن». الطريف والمثير إن غير المحجبات يرتدين تقريباً الأزياء التي ترتديها المحجبات لأسباب عدة. فمنهن من تميل إلى اختيار الملابس الواسعة الطويلة إما اتباعاً للتقاليد المحافظة أو اتقاء لشرور المتحرّشين. ومنهن من لا تجد اختيارات أخرى غير تلك الموجودة في الأسواق الشعبية، لكن من دون الحاجة إلى الطبقة المطاطة الضاغطة على الجسم السابق ذكرها. وتظل هناك فئة من السيدات والفتيات يرتدين ملابس كانت حتى سبعينات القرن الـ 20 «عادية»، ثم تحوّلت إلى «غير عادية» مع المدّ الديني، لكنهن يبقين حبيسات المنتجعات المغلقة أو النوادي الخاصة أو المراكز السكنية، إذ يرفضهن المجتمع لأنهن غير مطابقات لمواصفات التديّن الشكلي القياسية.

وتظل أزياء المرأة المصرية موضتين ومعيارين ومنظومتين يشكّلها المجتمع ويتحكّم فيها التديّن ويتلاعب بها الاقتصاد.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى