أسماء «بوكر» تربك المحكمين (عبده وازن)

 

عبده وازن

لم يكن سهلاً على اعضاء لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية ان يبتّوا بسهولة في امر الروايات الست المدرجة في اللائحة القصيرة لهذه السنة، وأن يختاروا اسم الروائي الفائز. وشهدت جلساتهم الأخيرة نقاشاً طويلاً تخللته حال من الحيرة والتردد. وعلى رغم وجود نقاد مهمين داخل اللجنة ومنهم سعد البازعي رئيس اللجنة، وعبدالله ابراهيم وزهور كرام، فهم لم يتمكنوا من ان يحسموا اسم الفائز بسهولة، وفق ما أشيع قبل ساعات من الاتفاق على هذا الاسم . وجد اعضاء التحكيم انفسهم امام روايات تختلف في اساليبها السردية وتقنياتها وهوياتها المتراوحة بين التراثية والغرائبية والتجريبية والواقعية، علاوة على المقاربات «الموضوعاتية» والقضايا ووجهات النظر المتعددة. خالد خليفة يعالج في رواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» التي كانت فازت بجائزة نجيب محفوظ، حال الصراع الذي تحياه عائلة من عائلات حلب وهو يؤدي الى التشرذم والانقسام والتفتت الجماعي والفردي. وتبدو سيرة هذه العائلة التي تشهد سقوط احلامها ونهايتها المأسوية مرآة لسيرة مجتمع بكامله ينتهبه بطش السلطة والعنف في شتى معانيه. إنها تراجيديا العائلة الســورية وتحديداً الحلبية التي لم تكن إلا مرجعاً لاختبار آلية التسلط والترهيب والقتل، حقيقة ومجازاً.
اما الروائي العراقي احمد سعداوي فيلجأ الى رمز الشخصية الرهيبة فرانكشتاين في روايته «فرانكشتاين في بغداد» ويرسم مساره الغرائبي – الواقعي في مدينة الكوابيس والإجرام الفردي والجماعي.
وعلى غرار ما يحصل في الرواية البريطانية الفنتاستيكية لصاحبتها ماري شيللي يعمد شخص يدعى هادي في احد الأحياء الشعبية الى تجميع بقايا جثث بشرية من ضحايا السيارات المفخخة والتفجيرات الإرهابية ويلصقها بعضاً الى بعض ويخيطها ليخلق منها «جسداً» جديداً تحل عليه روح مزهقة فيصبح كائناً مشوهاً اسمه «الشسمه» يذرع الرعب في الأحياء، ويسميه بعضهم «فرانكشتاين». لكنه يقرر الانتقام من القتلة والثأر للضحايا ويجد نفسه في مواجهة رجال الأمن.
الروائية العراقية إنعام كجه جي تكتب في روايتها «طشاري» حكاية عائلة عراقية تقاسي شظف العيش في الغربة والشتات، ويعبّر العنوان الذي يعني طلقة الصيد التي تتشعب في نواح عدة، عن واقع عائلة عراقية تتفرق خارج ارضها ووطنها. واختارت الروائية بطلتها طبيبة عراقية مهاجرة تستعيد سيرتها وذكرياتها المبعثرة عندما كانت تعمل في الريف الجنوبي العراقي. وأطرف ما في الرواية هو ابتداع حفيد الطبيبة ما يسميه مقبرة افتراضية على الشبكة الإلكترونية تكون نقطة التقاء للعائلة في المنفى. وتبرز اجواء السجن المغربي في رواية «طائر ازرق يحلق معي» للمغربي يوسف فاضل من خلال مأساة عزيز، الطيار العسكري الذي يجد نفسه قابعاً في السجن طوال اعوام هي اعوام «الجمر والرصاص» كما تسمى مغربياً. ويغلب الطابع التراثي على رواية المغربي عبد الرحيم لحبيبي وعنوانها «تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية» وهي تدور حول رحلة بحث عن مصادر العلم انطلاقاً من مخطوطة يقع عليها البطل.
الروائي المصري احمد مراد اختار المستشفى النفسي مكاناً لروايته «الفيل الأزرق» ويعتمد فيها لعبة المرآة ليسرد قصة صديق له نزيل قسم الجرائم في المستشفى، وفي صورته يكتشف نفسه.
هكذا وجدت اللجنة نفسها امام صورة بانورامية تنعكس على صفحتها اساليب وأنواع روائية وسردية متعددة الهويات والهموم وتتوزع بين مدارس عدة: الغرائبية أو الفانتاستيكية والتاريخية والتراثية والواقعية الفضائحية والافتراضية والعائلية… وهذا التعدد الذي يمثل الإنتاج الروائي العربي المتعدد هو الذي جعل اللجنة في حال من التردد: الى أي اسلوب تميل؟ ولأي تيار او اتجاه تنتصر؟ اي رواية هي الأقرب الى القارئ اليوم؟ اما المشكلة الرئيسة فتكمن في عدم بلوغ هذه الروايات ذرى «النوع» الذي تتمثله، وكذلك في عدم إشباعها شروط «النوع» هذا إشباعاً سردياً ومناخياً و»وقائعياً».
منذ اعلان اللجنة اسماء اللائحة الأولى تنفّس الكثيرون من القراء والنقاد والإعلاميين الصعداء، فاللائحة ضمت عناوين مهمة وبعض هذه العناوين كان عرف رواجاً ونجاحاً سواء لدى النقاد ام القراء. لكنّ اللائحة القصيرة جاءت مفاجئة جداً لاسيما في إسقاطها اعمالاً روائية لا يمكن إسقاطها بسهولة واستبدالها بأعمال تقل عنها اهمية وفرادة. لكنها احكام اللجنة بل ذائقة اعضائها ومزاجهم. والجوائز غالباً ما ترتبط بذائقة المحكّمين وأمزجتهم الصعبة في احيان ومقارباتهم النقدية ووجهات نظرهم، ثم معاييرهم النقدية التي يعتمدونها. إنها حرية اللجنة في الاختيار اولاً وآخر. والجوائز غالباً ما تكون جوائز لجان.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى