أشرف العشماوي يواجه منتقدي رواياته

لا يمكن لناقد أو متابع للحركة الأدبية أو حتى قارئ عادي أن ينكر موهبة أشرف العشماوي الروائية، هو ولا شك كاتب حقيقي، مبدع، صاحب فكر وثقافة متميزة تجلت بوضوح من خلال رواياته الست التي ظهرت تباعا منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، أشاد به نقاد وروائيون كثيرون وامتدحوا كتاباته ووضعوه في مرتبة عالية. وحاليا صار من نجوم الصف الأول عربيا ومصريا، بل أصبح واحدا من أكثر خمسة كتاب في مصر هم الأكثر مبيعا بعدما تجاوزت أرقام مبيعات رواياتهم وفقا للمصادر المختلفة أكثر من مئة ألف نسخة في مجمل أعمالهم وهو رقم ليس من السهل تحقيقه في أمة لا تقرأ للاسف الشديد .

رغم ذلك كله لا تزال هناك انتقادات لكتابة العشماوي ومشروعه الأدبي وما يقدمه للقارئ كل عام أو عامين ومع الإقبال الكثيف على قراءة أعماله لا تزال أصوات تشكك في الموهبة وتحيلها للصدفة حتى قال عنه الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل إن العشماوي موهبة مثيرة للجدل، ثم وصل الأمر بناقد آخر إلى القول بأن روايته “تذكرة وحيدة للقاهرة” هي رقصة تانجو أخيرة لن يفلح بعدها في نشر رواية اخرى متميزة مثلها.

وها هو عام 2017 يوشك على الانقضاء ولم تظهر بوادر لرواية جديدة للعشماوي ومن قبلها قال أحد النقاد المغاربة: “أعجبتني رواية (كلاب الراعي) للمصري أشرف عشماوي لكنني أظن أنها بيضة ديك فلا توجد لديه قبلها ولا أظن بعدها ما يستحق عناء القراءة”.

نفس هذا الناقد عاد وقدم اعتذارا للعشماوي لما قرأ “تذكرة وحيدة للقاهرة” وقال بالحرف أيضا: “فاجأني العشماوي بموهبة سرد وحكي مثير بلغة أدبية راقية مما يجعلني أرفع له القبعة على تلك الرواية التي تناولت المهمشين من منظور مختلف ” .

أيًّا ما كان الأمر حول هذا الروائي المثير للجدل فقد وجدنا أن مواجهة العشماوي نفسه بالاتهامات الموجهة إليه هي أفضل وسيلة لكشف الحقيقة فكان لنا معه هذا اللقاء حيث قال:

أتقبل النقد في المجمل، في البدايات كنت أتضايق كثيرا لكنني حاولت الاستفادة مما يقال لي. أعتقد إنني عملت على تطوير كتاباتي والتقليل من الوصف، فقد كان ذلك أكثر انتقاد يوجه لي. الآن أصبحت أقل حدة ولم أعد أتضايق من أي نقد مهما بلغت قسوته. في الواقع أحدهم انتقدني مؤخرا وقال إنني لا أكتب روايات إنما موضوعات تعبير للصف السادس الابتدائي فهل هذا نقدا؟ بالطبع لا وهل توجد قسوة أكثر من ذلك؟ من المؤكد أنه تطاول لكنني تجاوزته وابتسمت، لكن من داخلي اؤمن أن العمل لو لم يشغله لما كتب عنه بدليل أنه أشاد في مقاله ببعض فنيات الرواية الرائعة والحرفية وبالتأكيد لا يمكن لطالب ابتدائي كما وصفني أن يلم بفنيات الرواية باحترافية.

هذا نوع من النقد المعبر عن غضب لسبب ما لا أعرفه أحيانا نجد أشخاصا يكرهون شخص الكاتب بلا سبب، أنا لا أفهم نفسياتهم لكني لا أقف إطلاقا عند كلماتهم وإلا ما كتبت.

وعن تهمة الاعتماد الكلي على التاريخ لأن خيال الكاتب نضب يقول العشماوي: هذه المقولة مغلوطة فاعتماد الادب على التاريخ امر مقبول ومتعارف عليه لا يقلل من قيمة الأدب أبدا لأن الأديب يلتقط من الصورة التي رسمها المنتصر لأحداث التاريخ بعض التفاصيل التي لا يلحظها الشخص العادي، فمن يقفون في خلفية الصورة أهم ممن يتصدرون اللقطة، أنا لا أحكي وقائع تاريخية إنما أجعلها في خلفية الأحداث، ومن بعيد والباقي كله بالكامل بناء متخيل روائيا، ثم إنني لا أكتب قصصا واقعية عن شخصيات تاريخية لكي أتهم بهذا الاتهام .

ولا أحد يكتب عن التاريخ مجانا ولا أحد يعود للوراء إلا من اجل اسقاط على لحظة حالية لفتت انتباهه ووجد اننا لا نتعلم من دروس التاريخ الذي يعيد نفسه في أحيان كثيرة لكن لا يمكن أن يجلس المؤلف في ندوة ويقول انا تعمدت كذا وكذا.. هذا أمر سطحي وغير مقبول أما ان يتفهم القارئ الفكرة والغرض من بين ثنايا السطور أو يستمتع بالحكاية والحدوتة فحسب.

لكن مسألة الخوف هذه غير ورادة فأنا لا اخاف من أي مخلوق والروايات ليست لقول آراء، هذه مهمة المقالات، وأنا لا اكتب مقالا سياسيا من الاساس لانني قاض ومهنتي تفرض قيودا على هذا النوع من الكتابة وأنا احترم مهنتي بالطبع .ارجو ان تكون الفكرة قد وضحت .

وعن تهمة الناصريين بأن أشرف العشماوي يتعمد مهاجمة ثورة يوليو في كل رواياته باختيار موضوعات وأحداث تناسب هذا الهجوم ليتخفى وراء شخصيات الرواية وأحيانا يعلو صوته كراوٍ على صوت البطل؛ قال:

الحقيقة أن من يقول ذلك لديه خلط واضح فى المفاهيم بين الكتابة الروائية وكتابة المقال، الأدب يحتاج لنظارة فنية فقط لرؤية العمل وتقييمه والاستمتاع به او رفضه، اما النظارات السياسية القائمة على ايدولوجيات وتوجهات او تلك الدينية فكلها تتعارض مع الفن عموما ومع الرواية على وجه الخصوص.

وأضاف: أنا لا أتخفى وراء الشخصية كي اقول ما اريد انما لأن الفن يحتم علي الاختباء كي لا يظهر صوتي. ومن يقول إن صوتي يعلو فهو يبني رأيه بسبب توجهه الناصري او الديني، ولنأخذ مثالا، في رواية “تذكرة وحيدة للقاهرة” البطل نوبي تعرض للتهجير والاعتقال في الستينيات هل يمكن ان يمجد عبدالناصر مثلا؟ لو فعلت ذلك أكون مخرفا ولا أعرف كيف أرسم الشخصية الروائية. نفس الامر بالنسبة لشخص ينتمي للعصر الملكي كيف يتعاطف مع ثورة يوليو التي صادرت أملاكه؟ مع العلم أنني لم أمجد العهد الملكي ولم اتعرض له، أنا لا أحاسب النظام الناصري بل واحترم عبدالناصر لأنه جزء من تاريخ بلدي السياسي ولا اكتب رواية لتشويه الرجل ابدا، بدليل أن في ذات الرواية شخصية ناصرية ترفع عبدالناصر لعنان السماء، انا اكتب ما تقتضيه الفكرة وما يتفق والشخصيات وهذا لا يمكن لأصحاب النظارات الناصرية المتعصبة ان يروه مهما قلت.

مؤخرا كتبت صحفية مقالا بنفس المعني ضدي وشكرتها رغم انها تناقض نفسها وتقول أشرف العشماوي يمجد العهد الملكي ويصف مصر بأنها كانت نظيفة فهل هذا تمجيد او ان هذا نقد أدبي لرواية، قد اختلف مع رؤيتها لكني احترمها، فالرواية ملك القارئ بعد صدورها .

وعن تهمة نقاد كبار وكتاب مصريين ان العشماوي يكتب الرواية الرائجة ذات المبيعات الضخمة والطبعات المتعددة والمليئة بالدراما التي تصلح للتحويل لعمل فني مشاهد وهذا بعيد عن الادب الخالص؛ قال الكاتب: كيف يكون الادب القابل للتحويل دراميا أدبا غير حقيقي او خالص؟ هل أدب نجيب محفوظ أدب غير حقيقي مثلا؟ انا لا اتفق مع هذا الرأي، أما المبيعات والطبعات والرواية الرائجة فإن لي رأيا مختلفا انا ارى ان لدينا مشكلة ما مع الأكثر مبيعا وكأنها تهمة، جارسيا ماركيز العظيم كان ولايزال أعلى مبيعات في العالم، وباولوا كويلو نفس الشيء، ومحفوظ تربع كثيرا على عرش الاكثر مبيعا، فهل لا نقرأ لهم أم نتراجع لنقول إنهم استثناء لنبرر مقولتنا الخائبة ونحاول إثبات صحتها بأي وسيلة، عندما يأتي كاتب ليقول ان الطبعات الكثيرة لكاتب آخر تعني الفشل فهذا في رأيي هو الفشل نفسه. هو لم يحقق مبيعات وفشل في الوصول لقارئه فيحمل فشله على نجاح غيره .

على العموم هم أحرار في رأيهم أنا لا أناقش هذه الآراء أبدا ولا أتوقف عندها. كل منا في طريقه وفي النهاية هناك قارئ بيننا .

وعن تهمة أن الشباب لا يقرأ لأشرف العشماوي قال: هذا ليس اتهاما بقدر ما هو تنوع في حقل الكتابة، فمن البداية انا اخترت موضوعات معينة تناسب أفكاري وما أريد التعبير عنه وكتبت بلغة أظن أنها سلسة ومقبولة، وهناك شباب يقرأ لي بالمناسبة وأحب آراءهم جدا والتحاور معهم، ومن البداية أنا لم اقل إنني اكتب للشباب أو للناشئة، أنا اكتب لأي سن ولقارئ مجهول لا اعرفه، واذا ما كان الاتهام صحيحا فهذا أمر جيد لأنني ضمنت من الآن قارئا قادما لرواياتي القديمة كلها فهذا الشباب سيكبر ويصبح من قرائي ايضا .

وعن الرواية القادمة لأشرف العشماوي قال: عادة لا أحب الحديث عن رواية أكتبها ولا أعرف ما الذي يقال عن عمل لا يزال في مرحلة الكتابة والتبديل والتعديل والبناء، هي اجتماعية على كل حال وموعد صدورها غير محدد بعد لأنني ببساطة لا زلت أعمل عليها منذ أكثر من عام ولم أنته منها. اتمنى ان تظهر في 2018.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى