الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي رقي الشعب السوري والتأكيد على أصالته وحضارته على مدى ألاف السنين رغم كل المعاناة والظلم الذي تم بحقه على مدى مايقرب الستين عاماً من سلطة عائلة الأسد البائدة ومن المجتمع الدولي .
حيث يمثل الشعب السوري أحد أقدم الشعوب الحية في العالم، ويمتد تاريخه لآلاف السنين. قامت الحضارات على أرضه مثل الحضارة الأوغاريتية، الآرامية، الكنعانية، والبيزنطية، مما جعل من سوريا مهداً للثقافة والتاريخ الإنساني.
وبالرغم من تلك الخلفية الغنية، عانى الشعب السوري في العقود الأخيرة من ظلم السلطة الحاكمة وسياسات المجتمع الدولي التي أدت إلى أزمات مستمرة ومعاناة عميقة.
ورغم هذه التحديات، برز السوريون بتميزهم ورقيّهم، مما يعكس عمق حضارتهم ومرونة ثقافتهم. فالتاريخ الحضاري للشعب السوري كان له اكبر الأثر في :
- 1. المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية
إن حضارة الشعب السوري ليست وليدة اليوم، بل تمتد إلى العصور القديمة عندما كانت مدنه الرئيسية مراكز للإبداع والفكر. ففي أوغاريت، اكتُشفت أول أبجدية في التاريخ، وهي بداية الكتابة التي غيرت وجه الإنسانية. كما كانت دمشق أقدم عاصمة مأهولة في العالم، وارتبط اسمها بالتاريخ والثقافة.
سوريا لم تكن فقط موطناً للحضارات القديمة، بل مثلت أيضاً حلقة وصل بين الشرق والغرب، حيث كان طريق الحرير يمر بأراضيها، موفراً منصة للتبادل التجاري والثقافي.
- 2. التنوع الثقافي والديني
يتميز الشعب السوري بتنوعه الثقافي والديني الذي نشأ عبر آلاف السنين. فعلى هذه الأرض تعايشت الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام، المسيحية، واليهودية)، مما خلق مجتمعاً متعدد الثقافات غني بالتراث والإنسانية. حافظ السوريون على هذا التنوع وساهموا في إثرائه من خلال الفنون والأدب والمعمار.
اما فيما بخص الشعب السوري في مواجهة الظلم فكان:
- 1. ظلم السلطة البائدة
تعرض الشعب السوري خلال العقود الأخيرة إلى سياسات قمعية وفساد عميق من قبل الأنظمة الحاكمة وبالأخص نظام عائلة الأسد الذي عانى فيها السوريون من سيطرة الدولة على الموارد الاقتصادية، غياب الحريات السياسية، وانتهاكات حقوق الإنسان. ومع اندلاع الثورة السورية، واجه الشعب قوة مفرطة ودماراً واسعاً. ورغم هذه المحن، استمر السوريون في الحفاظ على روحهم الأصيلة وإرثهم الثقافي.
- 2. التخاذل الدولي
زاد المجتمع الدولي من معاناة الشعب السوري بتخاذله وعدم اتخاذه مواقف فعالة لإنهاء النزاع. تدخل القوى الكبرى في الصراع زاد الوضع تعقيداً وأطال من أمد الأزمة. إضافة إلى ذلك، واجه اللاجئون السوريون ظروفاً صعبة في المنافي، حيث تعرضوا للتمييز وسوء المعاملة في بعض الأحيان، دون استجابة إنسانية كافية من المجتمع الدولي.
أما بشأن تجليات رقي الشعب السوري فهي :
- 1. الإبداع في الفن والأدب
رغم الظروف الصعبة، استطاع السوريون التعبير عن واقعهم وآمالهم من خلال الفنون المختلفة. الأسماء السورية برزت في مجالات متعددة مثل الأدب، السينما، والموسيقى. فقد عبرت الروايات والقصائد عن المعاناة اليومية وحملت رسائل إنسانية إلى العالم. الفن التشكيلي أيضاً شهد حضوراً قوياً يعكس جمال الإرث السوري ومرارة التجربة الحالية.
- 2. العمل الإنساني والتمسك بالقيم
حتى في أصعب الظروف، أظهر الشعب السوري قدرة مذهلة على التعاون ومساعدة بعضهم البعض. المبادرات الإنسانية من قبل الأفراد والمنظمات المحلية السورية أصبحت نموذجاً للتضامن الإنساني. في مخيمات اللجوء، يثبت السوريون يومياً قدرتهم على الإبداع والعمل، حتى في ظل نقص الموارد.
- 3. التعليم والتميز الأكاديمي
لم تمنع الحروب والمآسي السوريين من تحقيق إنجازات تعليمية وأكاديمية. مئات الطلاب السوريين أبدعوا في مختلف المجالات على المستوى العالمي، فحصدوا جوائز في الطب، الهندسة، والعلوم، رغم محدودية الإمكانيات.
رابعاً: المستقبل المشرق رغم الظلام
رغم التحديات الهائلة التي واجهها الشعب السوري، فإنه يتمسك بالأمل في بناء مستقبل أفضل. روح الصمود تجد طاقتها دائمًا في حضارة ضاربة بجذورها في الأرض. التغيير الحقيقي سيأتي من الشعب نفسه، مدفوعاً بتاريخ طويل من المقاومة، والإرث الحضاري الكبير الذي يحمله.
وفي ختام مقالي هذا ، فان الشعب السوري لا يمكن اختزاله في إطار المحن التي تعرض لها، بل هو رمز للحضارة والرقي في وجه الظلم والقمع. عبر التاريخ، واجه هذا الشعب تحديات كبيرة، ولكنه نجح دوماً في التغلب عليها، مستعيناً بإرثه الثقافي وأصالته المتجذرة. وتبقى قيمه الراسخة وطموحه الدائم نحو الأفضل، خير دليل على قوة إرادته وعظمة تاريخه.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة