أب الدنيا
أب الدنيا
” إن الآلهة لا تعاقب البشر حين تغضب… إنما تسلط عليهم أنفسهم… وكفى !”
حكمة إغريقية
…………………………..
” الثورة على الثورة، ليس إنتاجاً لخيبة الأمل بعد تجربة عام… بل رفض لأسلمة “أم الدنيا “. ذلك النوع من الأسلمة الأدنى من الدين الأول، ، والأقل من التجربة التركية، والأخطر على مستقبل التطور المدني في مصر “.
كتبت هذا الكلام الأسبوع الماضي، في ظلال انتظار يوم 30 حزيران… واليوم بات واضحاً أن الأسلمة والأخونة ومشتقاتهما قد دخلتا الامتحان العسير، والمعقد، والخطير أيضاً:
الامتحان بالبقاء في السلطة. وهو امتحان بسؤال واحد : ” هل تستطيع البقاء في السلطة يا سيدي الرئيس ؟”
عندما اندلعت ثورة 25 يناير ظهر عناد الرئيس مبارك والسلطة. وراهن المراهنون على بقاء الرئيس. وتوالت الخطابات والتغييرات والتعيينات. والخطاب الأخير لمبارك كان منتظراً، بفارغ اليأس، بأنه خطاب التنحي .
وكنا مجموعة أمام التلفزيون، وكنت بالصدفة الأكبر سناً، ومن حولي شبان. أذكر أنني كنت لا أريد المناقشة حول الثورة والسلطة، فهو موضوع واضح في الميدان: مصر تريد التغيير، ولكن أدوات التغيير… تتنافس على “ميدان التحرير”. رهاناً على ما بعد مبارك.
وكنت لا أريد النقاش حول تكهنات “يتنحى أو لا يتنحى الرئيس؟” فرأيي كان: ليس هذا خطاب التنحي!
وعندما سئلت لماذا؟ قلت : لم يأمره العسكر بعد بالتنحي !
وازداد الموجودون عناداً. فحسمناها بالمراهنة بشروط الدفع الفوري للفائز !
لم يتنح مبارك في ذلك الخطاب. وعندما تنحى لم يخطب، ولم نعد نراه إلا في السجن…. فقد كانت هذه إرادة العسكر.
الرئيس مرسي، بما أنه يعرف من اللغة الفرنسية بضع كلمات، فإن ميادين مصر تتوقع منه استخدام إحدى هذه الكلمات ، وهي تحديداً كلمة تشبه اسمه: “مرسي” يوجهها إلى الشعب، وإلى التاريخ، بما أنه يقلد عبد الناصر في إعلاناته، وإشارات يديه ، ولون الكرافات!
” الشرعيات” تسمية أكثر مما هي حقيقة، وأنا برأيي، الشرعيات القابلة للحياة هي: “التوافقات” ولكن التوافقات تحتاج إلى اليأس من قدرة بلدوزر الإيديولوجيات على هدم القناعات المضادة، وتأسيس قناعات جديدة لا تتماشى مع الحياة:
وللتذكير…
لن يكون لدى أحد نفس الدعم الذي حصلت عليه “طالبان”في إفغانستان: من أمريكا. السعودية. باكستان. ومع ذلك لم يطل الأمر بالملاّ عمرـ أمير المؤمنين ، حتى أصبح متشرداً في تورابورا”.
ذلك لأن العقل الديني لا يتماشى مع الضرورات السياسية، إلا في انتهازيات صغيرة مثل هذا الفرمان الاقتصادي، بأداة الفتوى الدينية: فتوى من أمير المؤمنين (على خلفية الحاجة للمال).
“زراعة الأفيون وتجارته مباحة شرعاً. أما الحشيش فزراعته: حرام شرعاً، والداعي أن الأفيون تقع زراعته وصناعته بهدف التصدير، ولذلك فضرره ينزل على غير المؤمنين. أما الحشيش فإنه يستهلك محلياً، ولذلك ينزل ضرره على المؤمنين.”
ومن الطرائف أن القيادة الأمريكية، بعد إسقاطها طالبان منعت زراعة الأفيون… ثم وجدت أن المنع يسبب ضرراً مادياً لتمويل البقاء في إفغانستان… فأصدرت “فتوى” بزراعته حتى لو كان التصدير إلى كاليفورنيا!
وللتذكير…
فإن أكثر من سبعة آلاف مصري كانوا يقاتلون في صفوف طالبان… ولم يكن يدفع لهم المال، بل الوعد بال” غرين كارت” مقابل التفوق النوعي في بعض العمليات العسكرية. وهي أغرب رشوة في العالم المتمدن: إقامة ومواطنة لقاتل محترف ومتميز . والأغرب فلسفة هذه الرشوة: هناك احتمالان: يموت المقاتل. أو نماطل !”
ولقد حدث الأمران معاً. وأظن أن الكثيرين من هؤلاء موجودون، علناً، في ميدان رابعة العدوية، إذ رأينا نماذجهم في التلفزيونّ
……………….
آسف لهذا الشطط…
سيكون خياراً بائساً جداً مراهنة الرئاسة الشرعية المؤقتة (للإخوان) على تنازلات الرئاسة الشرعية الدائمة (للجيش) . وهي مراهنات ، غالباً، ما تقوم على تقدير خاطئ وفهم معنّد ، الأمر الذي يقود مصر إلى دفع ثمن أعلى.
لماذا دائماً يدفع المعاند ثمناً عالياً…أعلى بكثير من أي قضية يريدها أو … سلعة يرغب بامتلاكها؟!خصوصاً أن كان، أخيراً وحتماً، سيدفع !
ربما كانت خاصية عربية !
لست أدري !
إلا إذا كان لدينا، اليوم، المصري الذي يستبدل ” أم الدنيا” باسم ” أب الدنيا” !