أنا هنا … أصداء وما عدا ذلك … شائعة أو نميمة !
أنا هنا … أصداء وما عدا ذلك … شائعة أو نميمة !
• ليس كل تقرّب من إسرائيل هو اقتراب من جائزة نوبل
” ليس لي منفًى ليكون لي وطن
الله … يا زمنُ ! ”
في 9/ 8 / 2008 ( لاحظوا التاريخ ) انتهت حسرةُ محمود درويش هذه … ولكن ليس بالاقتراب من الوطن ، مجيئاً من المنفى ، وإنما … بواسطة الموت ، وكان درويش يقول :
” أسباب الوفاة عديدة …
من بينها … وجعُ الحياة ! ”
وحين قال : ” سنكون ذات يوم ، ما نريد ” كان يطلق ، من بين الصرخات ، ذلك الصوت الواثق بشعب لم تستطع أن تحوله إسرائيل إلى مجرد ” سكان” مناطق محتلة مكسوري الهوية ، بجذر قديم لا يموت !
إن الضوء ، عند محمود درويش .. هو ” الأكاديمي والموسيقي ، وبين درويش قال إدوارد هذه الجملة التي تشبههما معاً :
” إذا متّ قبلك … أوصيك بالمستحيل ! ”
هكذا تسابقا إلى النهاية في فترة متقاربة : إدوارد بالسرطان ، ودرويش بالقلب .
وإذا كان وجع الحياة سبباً للموت ، فقد يكون لهذا العذاب البشري ، الذي لم يترك فلسطينياً من شرّه … مرجعيةً أخرى ، الاحتلال واللجوء والشتات …
قد يكون السياسة كمكان ، وهي التي قصّرت كثيراً ، ودائماً عن المكانة التي تخلدت فيها فكرة الوطن ، بوصفه فردوساً مفقوداً في الواقع ، موجوداً كوطن معنوي في الذاكرة .
” اتصل محمود ، ذات يوم بالقائد الفلسطيني صلاح خلف ( أبو إياد ) مهنئاً إياه بالسلامة من عملية بواسير . فرد خلف باعتذار :
– أنت يا محمود أحسن منّا . نحن لم نتصل بك عندما عملت عملية قلب … أجاب محمود ، وقد حبكت في ذكائه خفة الدم :
– لا تهتم … ( … ) القائد أهم من ( قلب ) الشاعر !
ترك محمود درويش وراءه إرثاً كبيراً في الشعر والنثر . وفي البدايات استخدم الشعر للتعبئة ، والتحريض ، وصياغة المضمون العام لمأساة شعب احتل مكانه ” شعب ” آخر . ولكنه ، وعلى طول خط التجربة الكبرى ، انتقل بقارئه وسامعه إلى المستوى الأعلى في شعرية الشعر . وفنية الفكرة . وغيّر ، فيما غيّر ، مكوّنات الوجدان العربي ، بتطعيم فذّ جامعاً بين ” الفعالية ” و ” الجمالية” ، ” في عملية استراق السمع إلى الجوهري وراء العابر ، والكوني وراء الذاتي ” .
قلب محمود درويش احتمله ، إن رأيتَ ما في شعره العميق ، احتمله أكثر مما ينبغي ، قد حطّم هذا القلب مرتين بوصاية طبية لمريض أبدي : لا تشرب، لا تدخن ، لا تفكر، لا تقلق . وعندها سأل الطبيب : وماذا أيضاً ؟ لم يبق سوى : لا تكتب الشعر ! ثم أردف : ” الموتى مثلي لا يطيقون الانتظار ” و ” لا يمكن للميت أن يبكي في جنازته ” :
” العمر يتساقط في طريق الرجوع …
فأين نسينا الحياة ؟
سألت الفراشة ، وهي تحوم في الضوء …
فاحترقت بالدموع ”
في ذلك الصيف 2008 اتفقنا أنا ومحمود وطاهر رياض . أن نذهب في إجازة في طبيعة سورية . قلت لمحمود : تعال بدون الشاعر على المطار أو الحدود . تعال ببنطال جينز متنكراً بمحمود ، ابن الحياة الخصب ، ولكنه العادي . تعيش ، بعيداً عنك كشخص مشهور ، ومهم ، ومشغول . فرح وقال : اتفق مع طاهر … وفور عودتي من العلاج في أمريكا .
ولكنه رحل بعد شهرين ! ولم تكن هذه الجملة ، التي كتبها منذ أمد طويل ، بلا معنى :
” ربما أنا ميت متقاعد يقضي إجازته القصيرة في الحياة ”
هذا الموت لا معنى له :
” عبث ، وفوضى في الحواس ”
إن صفة الأرض الصغيرة التي أطلقها على فلسطين تنسجم مع شبهها بالطفلة الصغيرة التي مزقت مريولها الحروب ، وهي صورة عصر لم تأبه العدالة فيه ، حتى الآن ، تنتبه إلى مأساتها .
كما أن صفة الأرض الضيقة التي نسكنها وتسكننا … هي الأرض الضيقة التي” لا تتسع لاجتماع قصير بين نبيّ وجنرال ! ”
ما يحزنني كثيراً ودائماً أن حسرة جيلنا كله هو ملخصة بانتصار صغير لا يأتي أبداً . وأننا ، نحن سكان هذه الذاكرة الكبرى والدرامية ، لا نستطيع أن نزور ، ليس فلسطين التاريخية ، ولكن حتى ” رام الله ” في الضفة الغربية … حيث قبر محمود درويش المكتوب على شاهدته:
” نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً ”
وأنا لا أعرف من الذي قال هذه الجملة ” الأسطورة ” :
” هناك إله يُشعِلُ بركاناً في مأتم شاعر أو … بطل ! ”