العصر الصغير
العصر الصغير…
• ليس كل إنسان قابل للشراء . ولكن هناك من يباع !
– 1 –
قبل أربع سنوات انعقدت ” قمة الأمن الغذائي العالمي ” في روما بحضور ستين قائداً من العالم … وتغيَّب قادة عالم الغنى الفاحش … ( دول الثماني الكبار ) !
كان جدول الأعمال أشبه بنداء استغاثة، وبنوده تنطوي على حالة إسعافية. لأن الجائعين ( بمئات الملايين ) يزداد عددهم مليوناً، كل عام، في تلك الأيام، وسلة غذاء العالم امتلأت بالذخيرة بدلاً من الفاصولياء !
طبعاً فشل المجتمون في تقديم كيس طحين زيادة إلى جوعى العالم وظل للأمن الغذائي معنى واحداً، وفرة عند الأغنياء، وأفواه متزايدة الجوع عند الفقراء .
… ولكن … عندما تشتعل الحروب، ويصبح من أهم نتائجها ما هو أبعد من الجوع: النزوح، والتشرد، والمرض، والقتل … يجتمع الكبار ويتداولون في شأنين: تقديم الأسلحة، والدولارات. وتصبح القمم تحت عناوين ” الأمن الإقليمي، والأمن الدولي” وقادة الدول الصغار كومبارس متناقص العدد … كما حدث في فارق الحضور بمؤتمرات أصدقاء سورية ، إذ هبط العدد من 131 دولة في أول مؤتمر قبل سنتين، إلى ” دولة ” بعد سنتين، في آخر المؤتمر!
– 2 –
لا يوجد في عصر ” الديمقراطيات الكبرى “، سوى ” ديمقراطيات صغرى ” مؤلفة على عجل، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالشخصيات الكبرى، التي توقف خط إنتاجها … فلم يعد هناك قادة رأي عام عظماء، ولا قادة مصائر بشرية عظماء، ولا ثوار عظماء يمسكون التاريخ من رسنه الجامح!
في روايتها ” كوخ العم توم ” تناولت الكاتبة ” هنريت ستاو ” مأساة العبيد ( الزنوج ) في أمريكا … فجاءتها عشرات الرسائل الدموية: مغلفات تحتوي على جملة مرفق بها إذنٌ مدماة لزنجي: ” لقد حررت لكِ عبداً ” !
ومثل هذه الرسائل، بغزارة أكبر، وردت إلى مكتب الرئيس الأمريكي ” لينكولن ” بعد اتخاذه ذلك القرار الشجاع والتاريخي، بتحرير العبيد … وهو الذي يعرف أن قراراً من هذا العيار لم يكن ليمر بدون كوارث وصراعات وصلت إلى حرب أهلية. وكذلك الأمر بالنسبة للفرع الجرماني من العنصرية … الفرع الذي أودى بحياة سبعين مليوناً من البشر في الحرب العالمية الثانية.
المفارقة أن بلادنا الصغيرة الحجم، الكبيرة الدور، … لم تكن في حاجة إلى هذه الكمية من الحرب، إذا كان من المؤكد أن الديمقراطيات الصغرى ليست ثمرة لها … ذلك لأن الديمقراطيات الكبرى تحتكر الشروط التي تصلح لها ولا تصلح لغيرها. ولذلك تغض النظر عن الديكتاتوريات في الحديقة الخلفية … لهذا العالم، وتبشر بديمقراطيات بحجم محافظة في مكان آخر من هذا العالم!
– 3 –
كتب أحد الأدباء إلى الخليفة ” أبو جعفر المنصور ” يسأله الزيادة في رزقه. وكان الكتاب مليئاً بالبلاغة. فكتب المنصور حاشية على الطلب : ” إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجل، أبطرتاه، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك، فاكتف بالبلاغة ! ”
لم تتغير الأحوال كثيراً : ففي عواصم الاستئثار بالمال، في يد الأمير، ينتظر هناك رتل من الكتاب، ستنشر، ذات يوم في لوائح بأسمائهم، كما حصل في بغداد بعد صدام حسين !