النبي الكاذب !
“النبي الكاذب ! آسف ، ياوطني ، لا أستطيع الموت في سبيلك…. مرتين ”
من شعارات الاستقلال
……………………………………………………………………………………
“أنا من مواليد سنة جلاء الفرنسيين عام 1946 … قررت أن أصعد هذا اليوم، الأربعاء، (عيد الجلاء) إلى أعلى قمة في سورية، لأشرب هناك، عالياً، كأس استقلال سورية.
لكن قمة ” جبل الشيخ” الأعلى، يحتلها الإسرائيليون!
سأذهب إذن، إلى قمة ” جبل الأقرع” ـ على الخط الفاصل بين خليج البسيط وخليج لواء اسكندرون .
لكن قمة الأقرع محتلة من الأتراك!
إذن…فلأذهب إلى قمة “النبي يونس” ، في صلنفة.
لكنني اكتشفت أن الوصول إليها مستحيل، بسبب صراع سوري – سوري على…القمة!
قلت : فلأذهب ، إذن، إلى وادي نفسي، وهناك أشرب كأساً من دمع…على استقلال سورية !”
هناك ، بعد مرارة الكأس الأول، وعلقم الثاني، وحلاوة الثالث… كتبت هذيان نبي أعزل:
ما من شجرة في هذه الغابة…إلا وتحتها فأس.
ما من زهرة في سياج… إلا وفي ساقها جرح.
ما من فراشة تبحث عن النور… إلا وفي جناحها النار.
ما من عصفور يطلق في الفجر بشائره… إلا وتحته طلقات.
ما من نبع يشرب منه ماعز الجبل وذئب البوادي…إلا وسممته الأفاعي.
ما من قبلة في المساء… إلا وفي الصباح نبأ عن مقتل شفتين.
ما من لقمة هادئة… إلا وهي ذاهبة إلى حلق يغصّ بها… ويموتون كثيراً.
ما من حب
ما من مدرسة
ما من كلمات
أو فلسفة…
أو ذكريات.
ما من أمل. يأس . طموح. نزهات. ترّهات. بشر وأمكنة . وانتباه أذكياء.
ما من سلام. ما من سلامة. الصبح أعمى. المساء أعشى. دم على باب مغلق.
غبار في طريق مسدود. وركام مرتبك الأقدام. وطرق وهمية صاعدة نحو السماء!
الدخان لم يصعد من الأسطحة، والأزيز بدل الزيزان. والسهرة كستناء الأخبار السوداء. لا حلم سوى : كيف ننجو من تقاطع النيران؟
لا طفولة. لا أمومة. لا حليب سوى الخوف.
ما من شيء بعد الزلزال والبراكين والفيضانات… سوى الجثث.
أوغاريت ماض…
الحاضر ذكرى.
لا أيام في التقويم.
لا مستقبل سوى وعد يصدر عن أصوات تئن تحت الأنقاض.
ما من سوري سيحمل علماً، بل كفناً.
ما من سوري صاحب مرآة أو رؤيا.
نبيذ السوريين دمهم. وآلات موسيقاهم تعود إلى غابتها خشباً أسود .
الأطفال ندم.
والبرق شمعة في الظلام الأخير،
الأفكار كلها عادت إلى صلصالها الأول ، حيث الإنسان يدبّ على أربعة أطراف لالتقاط الغذاء البدائي.
لن يكون للوحات الرسامين معنى. لتماثيل الطغاة مكان. للأسرّة من يأوي إلى ملاحفها.
عطور الوردة الدمشقية نص منسي في ذاكرة العفونة وتفسخ الجثث. الماء طهارته ذاهبة إلى المجارير. والصلوات، تحت ركام المئذنة والكنيسة والتكايا، قطع منثورة من آثارها !
ثمة اختصارات أخيرة
ثمة أنين كوني.
سماء واطئة كأم مفجوعة، وأب ثاكل.
أجمل ما في هذه البلاد… لم يعد سوى صرصور ما بعد حرب نووية.
الرائحة لا تعني أحداً… لأنه لا أنف بعد اليوم.
اللون لا معنى له… لأن رساماً واحداً للوحة الكارثة… لن يكون سوى جثة على حائط النرجس.
لن يكون أحد… يرثي أحداً.
انتهى عصر القبور.
الموتى يتدربون على عريهم .
لا شعراء بعد الحروب ليحذرّوا بنص ذكي، أجيالاً قادمة. لذا يستعجلون الحياة لكي تقول للموت كلمتها الأخيرة!
كم أنا حزين، لأن السوري القديم، كان يعرف، أكثر منا، في ذروة الجفاف، وفي اصطفاق أجنحة البجعات، فوق الأنهار العطشى، قيمة بلاده!
السوري البدائي القديم يعرف …أكثر منا!
أيها السوريون:
كل ما حدثتكم عنه… سوف يحدث، إن لم يكن قد فعل!
أيها الأصدقاء…
أرجو، وأنا أودعكم ، أرجو من كل صواب قلبي الحزين، أن أكون ….نبياً كاذباً!