بين المجتمع والتجمّع !
بين المجتمع والتجمع الفرق واضح
هذه جملة واضحة للحالة المصريَّة . فإذا كانت موجودات ميدان التحرير في يوم الملايين …. من مختلف أنواع المصريين، فإن موجودات رابعة العدوية من نوع واحد .
الأول مجتمع، أما الثاني فتجمع. ومن الواضح أن الصراع اليوم مفتوح على فكرة التغلب على جماعة من قبل مجموع ومجتمع. وفي هذه الحالة يرتكب ” الإخوان المسلمون ” حماقة العمر. إذ يعرّضون أنفسهم إلى الذهاب الإجباري إلى المتاريس. وإلى القتال، وإلى التدمير الذاتي، بعد أن يهددوا الأمن والأمان والاستقرار والمستقبل لسنوات طويلة.
لقد تصرفوا وهم في السلطة، بتفويض الصندوق، أما الآن فإنهم يتصرفون بتفويض الله !
من هذه الزاوية يبدو من غير المفهوم عنادهم في عدم الاستجابة إلى فكرة وعمليَّة الحل الوسط، الذي غالباً ما يأتي، من استعصاء الأمر الواقع:
في الحالة المصرية، الأمر الواقع حسم الجيش لما أراده الناس. وفي الأمر الواقع، استحالة العودة إلى ما قبل عزل مرسي … أي استحالة عودته ليحكم من لا يستطيع التغلب عليهم: عشرات الملايين مدعومون بالدبابات !
من زاوية أخرى يبدو مفهوماً عنادهم في الاستمرار في التصعيد والتصعيب.
( جعل الأمور صعبة ) … إذا نظرنا إلى فكرة ” الإستراتيجيَّة الإخوانيَّة ” الشاملة التي أنهضها التردي العربي، وتفسُّخ مؤسسة السبعينات الحاكمة، فنبت مشروعها على تزايد إسلاميّة الواقع بالمزيد من الأسلمة، في إخوانيَّة معممة على بلدان الربيع العربي.
المشروع هذا، في هذه الحالة، هو العنيد، ودعاته وحماته ومنفذوه سيذهبون به إلى النهايات القصوى. ولذلك نرى وجه الشبه بين البدايات السورية والبدايات المصريَّة. وكذلك العراق، وتونس، وليبيا، واليمن .
وهذا النوع من البدايات يؤسس إلى الطريق الطويل الذي تمشي فيها كل أنواع الأرجل. وليس بلا معنى رمزي الاستعانة بالجامع لبدء سيلان الدم، على اعتبار ما يحتويه المكان من إمكانيَّة تقديم القربان … في حفل قداسة الدم، وفائض المحرمات …. وفائض النصوص الجنائيَّة من سرديَّة النص الديني ” مثل من دخل بيت الله فهو آمن” ! … الخ .
ثم توجد المبررات للتسلح والمقاومة، ويصبح الأمر خارجاً من السياسة ذاهباً إلى الجهاد.
مصر ذاهبة في الطريق نفسه الذي وقعت / ذهبت فيه سورية .
تصاعد العنف المنظَّم، اختلاطه بالعشوائي. التسلح الخفيف، ثم الثقيل.
انخراط الدول في استقطاب مباشر. المراهنات المضللة للناس، مثل المراهنة على الانقسام الأفقي والعمودي في الجيش والمجتمع . والأسوأ هو ” حفلة الدم ” في بضعة مجازر، بحيث يصبح المهذب قاتلاً إجبارياً مشروعاً والبلطجي محترفاً : ويعود المجتمع إلى مكونات أولى عصبيَّة وثأرية .
فتنعدم ثقافة السلم الأهلي، لصالح ثقافة الاحتراب والنهب والسلب والمصالح الصغرى، في حيّز الهويات الصغرى
مصر ذاهبة … ما دامت من اللحظات الأولى مضطرة إلى استعمال الهراوة في البداية ثم النار لاحقاً، وما دام الطرف الثاني لا يستطيع، وهو يعاند الوقائع، أن يظل بالجلابية، فهو مضطر وفقاً لرؤيته، إلى لباس الميدان أخيراً
مصر ذاهبة إلى طريق إقناع الجميع، وهي الأم الكبيرة، بأن خريطة التحالفات الجديدة هي ما سيقوم في ظلال الحرب المعلنة من أجل أحد انتصارين: العصر الإسلامي ( المناسب أمريكياً وإسرائيلياً ) أو العصر الآخر الذي لا دين له في المعلوم … لأنه ينقصه جذريَّة الطرف الآخر … الجذرية التي قد يكون أحد صفاتها: ترحيل الدين إلى الجامع، واستقبال العصر بالجامعة !
شاء أم أبى… المجتمع يجب أن يتغلَّب على التجمّع . الشعب على الفئات . التنمية على التسوية، الإيمان على الأديان، الأمان على الرهان والرغيف الشريف على الفئات .
وإذا كان لا بد من معركة حاسمة، فليتقرر منذ البداية شكلها دون مواربة أو خجل … فليس في الحروب ارتباك لغة، ولا مجازات. وليس في الحروب أسلحة شريفة البتَّة. وليس في الحروب حسابات ( هيومن رايت ) بل قتل دون اقتصاد ذخيرة .
هل هناك أصرح من توزيع الرصاص على مخازن البنادق، في أول حفلة عنف ؟