ديمقراطية التراويح !
ديمقراطية التراويح
• من أبدى لنا ذات نفسه ، قطعنا الذي فيه … عيناه !
عبد الملك بن مروان ، قبل الخلافة ، كان – حسب السيوطي – عابداً زاهداً ناسكاً في المدينة. حتى أنه عُرِفَ بـ ” حمامة المسجد ” لمداومته على تلاوة القرآن. وعندما التقى عبد الملك بن مروان في مسجد الرسول بأحد جنود الجيش الذي أرسله يزيد بن معاوية لمقاتلة عبد الله بن الزبير راح يؤنبه تأنيباً شديداً : ” أتدري لمن تسير؟ إلى أول مولود في الإسلام، وإلى ابن حواري رسول الله، وإلى ابن ذات النطاقين، وإلى من حنّكه رسول الله. أما والله لو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبّهم الله جميعاً في … النار ”
هذا الخليفة الحساس الرقيق الورع، عندما علم أنه بويع بالخلافة كان المصحف في حجره فأطبقه وقال: ” والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ” ثم بعد ذلك جهز جيشاً من أربعين ألف مقاتل بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي في فحاصر مكة شهراً ورماها بالمنجنيق وأصاب الكعبة وأخذ عبد الله بن الزبير( الذي قال ما قال عنه) وصلبه .
ديمقراطية التراويح !
وإذا كان قد مضى حتى الآن قرون عديدة على ممارسات أجدادنا لسلطاتهم بكيفيات مخزية دائماً … فإننا البوم جديرون بالإرث . فالنظر إلى عين أية سلطة عربية، والتحديق في وجهها يجعلنا نرتجف قليلاً أو كثيراً من فرط الخذلان أو الخوف. إن البرنامج السياسي للحاكم العربي معلناً أو غير معلن ” أيها الناس. إنما أنا سلطان الله في أرضه. أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده. وحارسه على ماله. أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه . فقد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء يفتحني فتحني لإعطائكم وإن شاء أن يقفلني عليه أقفلني لحرمانكم”
وفي الكثير من المحاولات لتفسير الاستبداد الشرقي والطغيان عودة دائمة إلى نظرية أرسطو في كتاب ” السياسة ” :
” يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقي. حيث نجد لدى الشعوب الآسيوية – على خلاف الشعوب الأوروبية – طبيعة العبيد، وهي لهذا تتحمل حكم الطغاة بدون شكوى أو تذمر”
والمتأمل لأحوالنا قد لا يجد جواباً على سؤال : لِمَ نحن كذلك ؟
وهاهي الأيام تمضي ونحن نفتش في زوايا الحياة السياسية عن طريق يفضي إلى أيقونة العصر ” الديمقراطية ” فنجدها في خطاب استبداد جديد من نوع عصري له قواعد تقنية جديدة وهو “عسكرة الديمقراطية ” أو ” أسلمة الديمقراطية ” أو ” أسلحة الديمقراطية ” .
بعد التجربة التونسية ، والمصرية ، أنا شخصياً يائس من ” الديمقراطية” وإن كنت لا أجد مبرراً لحلمي بها سابقاً، حيث تعرفت على معظم من يقودون الآن الجمال والرجال في الطريق إليها، مشاراً لها عند كل يوم قتال من أجلها ( في المعسكرين ) إلى الطريق المسدود .
في تونس الاغتيالات، وبداية الفتك بالبشر (الجنود) على طريقة الجزائر وسورية. وفي مصر كل المؤشرات إلى صدام معسكرين، وما يترتب عليه من تطبيق نموذج حديث للحروب الأهلية : دولة وناس، دولة ومعارضة، دولة وحرب نظامية وعصاباتية.
في سورية نموذج غريب ومرعب وبلا حدود للاستخدام المفرط لكل وسائل القتال والتدمير. بحيث نحصل في حرب الديمقراطية على بلد الموت جوعاً ( وهو الغني ) والتشرّد تهجيراً ( وهو الواسع الشاسع ) والموت ذلاً ( وهو بلد لم يشحد أبناؤه إلا في معركة الديمقراطية ) … ثم الموت تدميراً … كي يعضّه بأنياب العمران أبطال وحشية إنجاز خرابه .
الديمقراطية ؟
انظروا إلى الموقف الأمريكي من قصة مصر: هم أحد صناع الصندوق الانتخابي الذي أنتج الإخوان المسلمين . ثم هم أول من قال : الجيش قام بحماية الديمقراطية .
المهزلة … أن تعطيل بلد بكامله، مثل مصر، عن الحياة إلا في الميادين… سينتج، هذه المرة، المجاعة ذات الغرابة في التاريخ : المجاعة إلى استقرار لم يأت به في حياة مصر … سوى الاستبداد والجيوش. الأجنبية والمحلية .
والمجاعة الفعلية : الخبز ( العيش كما يسمونه ) .
لي صديق يقول: سنرجع يوماً إلى الثكنة ونقول للجيوش: بدنا جنرال يسمع منه الشارع فيصمت، ويذهب الأولاد إلى المدرسة، وينشر الشعراء أناشيد الحرية والديمقراطية والكرامة البشرية !
عند العرب لن يولّي زمن العسكر … وسترون كيف تعود الشعوب إلى القمقم، مع كثير من الجعجعة بلا طحين ! سنقتنع دائماً بأن أخطاء الحرية أكثر جاذبية وصواباً من يقين الاستبداد، وأكثر دقة من روشيتات الثكنة. لكن ما نراه هو محاولة إنضاج شيء صعب بوصفة بسيطة ، مثل تقديم الديمقراطية ” من المنتج إلى المستهلك” كنصوص يكون الفرق بينها جميعاً ، من بلد إلى بلد ، هو … عبد الملك بن مروان في لحظة السلطة !
ثمة وصفة جديدة في رمضان : الدفاع عن ديمقراطية التراويح ! ! – ( مصر نموذجاً ) !