كتاب الموقعنوافذ

رقصة السامبا

رقصة السامبا … “تطرف الفكرة يقود إلى اعتدال الواقع ”

في إحدى خطبه النارية شنّ ” فيديل كاسترو” هجوماً، ليس على الولايات المتحدة، كالعادة، بل على رقصة “السامبا”. وفيما هو يردد، بلهجة منغمة وساخرة ومكررة، كلمة “سامبا…سامبا” ويلفظها بجملتها الموسيقية… بدأت الجموع الحاشدة تميل، وترقص، فتوقف عن الخطابة وبدأ يميل ويرقص السامبا… نافضاً يديه كأنه يقول: “لا فائدة هذا شعب راقص !”
لم يكن كاسترو يريد أن يغير شعبه، بل بلده. ولقد بدأ ذلك بثمانين مقاتلاً فشلوا ، في المرة الأولى، في الاستيلاء على السلطة، ثم نجحوا، في المرة الثانية ، بثلاثمائة مناضل … دخلوا هافانا وعلى رأسهم الثائر المعروف أرنستو تشي غيفارا .
بهذا.. استطاعت أقلية ثورية أن تأخذ أغلبية إلى التغيير والتحول والمستقبل الجماعي المختلف. وخلال سنوات تحولت كوبا من بلد المظالم والاستبداد إلى بلد عدالة وثقافة وعمل، بعد إزالة الأمية والفقر… وأصبحت، وهي الجزيرة الصغيرة ، بلداً كبيراً في أرخبيل عالمي !
كوبا… ربما هي البلد الماركسي الوحيد، بعد الصين، الذي استطاع إثبات “أن الواقع الملموس هو الذي يجعلك تقرر الصواب الملموس ” في شرط التغيير. رغم أن الانتقادات لنظام الحزب الواحد والشخص الواحد هي في مكانها. ولكن في كوبا كانت الديمقراطية الأمريكية هي مجرد ستارة احتيال من أجل الاحتلال . فالديمقراطية أهم من الاستقرارـ كما يقول جورج بوش ـ وربما رأينا النموذج في العراق… حتى يومنا هذا . في حين كان يقول كاسترو: إن كلفة مرشح واحد للكونغرس لا تقل عن مائة مليون دولار. فكيف بكلفة المرشح الرئاسي؟ وإن تنافس حزبين وحيدين في معركة الانتخابات… شبيه بالحكم بحزب واحد. ومقابل 50 مليون جائع وعاطل عن العمل والأمل في أمريكا…لا يوجد كوبي واحد بلا مأوى أو بلا عمل .
ما يزال النموذج الكوبي محيّراً. حتى وهو يقوم بنقل السلطة بطريقة التوريث وشكليات الرغبة الشعبية الفكاهية، وفي ظلال السامبا… إلا أن ما يلفت النظر هو أيضاً جزء من الماركسية : فالشرعية الثورية ، التي انتمت فكرياً كوبا إلى نظريتها ، ثمة طريقان: القوة المنتصرة تقود المجتمع كله إلى منطقة المصالح المشتركة، فتصبح الأقلية الثورية عربة القطار الأولى للتاريخ . أو
أن القوة المنتصرة تصبح خائنة لمشروعها الثوري فتستغل المجتمع وتقوده إلى الخضوع لمصالح أقلية.
وهكذا تصبح شرعية الثورة شريعة الغاب، ومشروع الثورة خارطة طريق… للثروة !
بالخيار الأول…استطاعت كوبا، على بعد مئة ميل من فلوريدا، أن تقاوم أمريكا وحصارها خمسين عاماً، واستطاع فيديل كاسترو أن يبقى على قيد الثورة رغم خمسمائة محاولة اغتيال وتخريب خمسين عاماً أيضاً، دون أن تكون ” ثورته ثروته” !

عندما هاجم فيديل كاسترو، في ذلك الخطاب الناري، رقصة السامبا، والذي انتهى بسامبا جماعية… كان مستاء من انخفاض المنسوب السنوي لمحصول السكر، وكذلك حقول التبغ. وأراد أن يحضهم على العمل بدل الرقص. وحين كانت ضائقة الحصار تشتد لم يطلب إلى الجيش النزول إلى الشوارع ، احتياطاً لشغب الضائقات الافتراضي، بل كان الجيش ينزل إلى المزارع ليحصد القصب، ويساعد في لف السيجار، و…يرقص !
في ذاكرة القرن العشرين، وذاكرة جيلنا، تحتل تجربة كوبا مكاناً دافئاً لتلك الآمال بأن يتحرر العالم كله بالثورة…
بدلاً من ذلك ، للاسف، تحرك العالم كله، وما يزال، بالثروة !

08.02.2014

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى