قراران متشابهان
قراران متشابهان … الرقم 60 ألف قتيل رقم، لكنه، في الحياة، على الأرض، في المنزل على طاولة طعام، في غرفة نوم، في احتفالات الولادة والنمو والتعلم والأمل… في الابتسامات والأحزان أيضاً… ليس رقماً. إنه مجزرة حياة!
قتلوا جميعاً حين وعدوهم بأنهم في أمان ! الذين أعطوهم الأمان هم من قتلوهم. فالقرار الأممي كان “حماية” المدنيين في ليبيا. والرقم، في كل الأحوال، ليس صحيحاً. وستكشف الأيام أنه فوق المائة ألف بكثير.
من الناحية الجوهرية: قتيل واحد يكفي لكي يدل على بقايا الإنسان فينا أن هناك قتل، كما أنه يكفي سجين واحد لأعرف أن هناك سجوناً!
لكن المشكلة في استبداد العرب، وفي قتال العرب ضد الاستبداد، أنهم يدفعون، في الكارثتين أثماناً باهظة تدفع المرء للتساؤل: أهذا هو الذي يسمونه العبث؟ خذ مثلاً الرقم الافتراضي لعدد ضحايا صدام حسين. ستجده ” رقم توفير” بالمقارنة مع الرقم الذي أنجزه الأمريكيون، وركاب دبابات الأمريكيين من العراقيين… سنجده “رقم بنك” دولي في مبالغات الدم. وكذلك الأمر بالنسبة للعقيد: ستبدو “رحمة” كشقيقة صغرى لنقمة النيتو في 25 ألف غارة جوية، لم تنشر من صور دمارها سوى بضعة أعمدة بيتون في باب العزيزية. وأرجو، وأدعو كل من لا يتركون فريضة صلاة جمعة تفوتهم، أن يصلوا لنا نحن السوريين (متظاهرين وقامعي مظاهرات) لكي لا ندخل هذه التجربة المخيفة… تجربة المقارنة بين قسوتنا وفظاعاتهم!
وإذا كان السيناريو المطروح هو التدخل العسكري الأجنبي… فهو استدعاء، لا تسمية أخرى له…”استدعاء”! ( سواء بأخطاء معالجة الأزمة السورية أو بالتحدي الذي خلقه المناخ المتطرف لمطالب الشعب السوري) ومن المرجح أننا دخلنا المرحلة التمهيدية، التي تسبق اللعبة الرئيسية…”لعبة كسر العضم”!
وعلى الرغم من عدم استغرابي لأطروحة التدخل لحماية المدنيين، التي ولدت مؤخراً على شفاه بعض معارضي الخارج، بل توقعتها في مقال سابق، فإنني أصابني نوع من الأسى . ذلك لأن هؤلاء لم يكونوا شرفاء أبداً، حين كان واجبهم الأخلاقي وموقعهم الوظيفي، ومنطقهم العسلي… يفرض عليهم الحد الأدنى من النزاهة… والحد الأدنى من الحذر من وجود الشاهد والقابض والعارف والكاشف في المكان السوري والزمن السوري!
لا أريد ذكر الأسماء… لأن هناك من يؤرشفهم في الحيز الأسود للحظة القاسية، حين يقولون “نريد ضرب البلد بالفصل السابع… أي بجيوش النيتو(كليبيا) وبقوى تشكلها الأمم المتحدة. وبمؤازرة عربية، على طريقة “حفر الباطن” المأسوف على شبابها في حرب تحرير الكويت.
ولا أريد تكرار قاموس الإدانة، أو مفردات التخوين ( الخيانة ليست وجهة نظر). ولا أعتقد أن لدينا وطنياً سورياً واحداً سيكون صانع حلوى النصر لجيوش الغزاة، لكي ينجزوا بالنيابة زيادة عدد المقتولين من البشر، والمتداعين المتهدمين من البيوت والشوارع والثكنات… ومحطات ضخ الحياة!!
أليس هناك حل لمشكلة ” اليساري التائب” و “الطائفي غير المعالج” و”السياسي المرتهن” و” قائد المستقبل” على دبابة الغرباء؟!
وإذا كان السوريون قد أعادوا الاعتبار لهذا الهتاف الاستشهادي “الموت ولا المذلة” وكان يعني أيام الاستقلال “الكرامة”، لا الموت كهدف نضالي، فإنني أخشى، ذات يوم، مجيء الاثنين معاً : الموت والمذلة !
سألت شخصاً نزقاً يكره النظام بإدمان غير مشكوك فيه: ما الذي ستفعله إذا جاءت الجيوش لتحرير سورية… لحماية المدنيين ؟ قال : سأطلق رصاصة أولى على أول سوري على أول دبابة أجنبية… وبعدها لا أظن أنني سأطلق رصاصة ثانية… على أحد! أكون قد قتلت !
وثمة من سيطلق الرصاصة على رأس نفسه!