أعترف: لقد ألقي القبض عليّ سارقا !

كثيرون يخفون أخطاءهم، ويحاولون تدبيج ((سمعة حسنة)) أمام الناس، وهذه مسألة مهمة جدا لأن مجموع الأخلاق الاجتماعية والاقتصادية في العالم تعتمد على السمعة، ومنها ابتكرت آليات التسويق والإعلان لترويج البضاعة، وابتكرت أجهزة الأمن الأوراق الثبوتية للتعيين، ومنها : ورقة ((حسن السلوك)) وورقة (( لا حكم عليه))، لتعيين الموظف أو قبوله في مؤسسات الدولة !

أما أنا، فقد خرجت على التقاعد، ولم تعد تهمني هذه الأوراق، ولن أعمل في التجارة فلا تهمني سمعة السوق، وعلى هذا الأساس قررت الاعتراف بأنني ارتكبت جرم السرقة، وهذا ما حصل معي :

كنا نقطن في حارة شعبية في منطقة ((الجسر الأبيض)) في دمشق، وهي منطقة تقع الآن بين مفارق طرق تصل طريق الصالحية بأبي رمانة والروضة بالمهاجرين بالشيخ محي الدين، وكان أقرب مركز ثقافي إلى بيتي يقع في منطقة ((أبي رمانة))، ولذلك أوصلتنا الصدفة إليه، فإذا به قاعة قراءة للأطفال ، وهناك قرأت قصة ((عقلة الإصبع)) وحكاية ((ليلى والذئب)).

سحرتني القراءة ، وخلقت عندي رغبة أن أعيش هذا العالم الخيالي الذي لاينتهي، لكن المركز الثقافي يغلق أبوابه بعد الساعة السابعة ، فكيف سأنتظر إلى اليوم التالي دون أن أعرف ما الذي سيجري لأبطال القصص التي شرعت بقراءتها ؟!

وجاءت الفكرة :

أسرق الكتاب أو القصة ، وأضعه تحت قميصي من جهة الظهر، فأتمكن من قراءته في البيت ..

وهكذا كان ..

انتقيت القصة التي أريدها، وراقبت من حولي قبل إخفائها ، وسريعا تمت العملية ، ومضى كل شيء بأمان لو لا أن شيئا ما جعل المشرفة على قاعة الأطفال تلتفت نحو الباب وأنا أخرج من القاعة ..

يا إلهي !

لاحظت المشرفة أن هناك شيئا ما معلقا تحت قميصي ، فنادتني :

ــ تعال .. تعال .. لماذا لا ترتب ثيابك ؟!

وعدت مربكا خائفا ، فإذا بها تسحب الكتاب وتلقي القبض علي بالجرم المشهود !

****

أريد أن أراها اليوم لأنها كانت أفضل من كل أجهزة الإعلام والتربية العربية الحالية ، فقد تصرفت بذكاء منقطع النظير ، فسألتني :

ــ تخاف على القصة أن يضيع لهذه الدرجة ؟!

وأضافت :

ــ برافو عليك .. لو أخبرتني أنك تريد أن تأخذها معك كنت أعطيتك كيسا تضعها فيه ؟

وبحثت المشرفة عن شيء ما ، ثم أعطتني قصة ثانية وكيس ، وقالت :

ــ ضع القصتين في الكيس . أنا أعرف أنك قارئ جيد ، وستعيد القصص غدا ..

منذ ذلك اليوم ، وأنا أستعيد هذه التفاصيل كلما وجدت قصة من قصص الأطفال المصورة، ولكي أضعكم في الصورة لازلت أبحث عن هذه القصص إلى اليوم لأعود إلى تلك المشاعر الخالدة التي جعلتني قارئا جيدا !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى