فن و ثقافة

أفلام الثورة (النزوح) لسؤدد كنعان : السوريون تحت القنابل !

عماد نداف

خاص

اشتغلت سؤدد كنعان على مشروعين دفعة واحدة هما (التأليف والإخراج) ، فأنجزت فيلم (النزوح) الذي شاهده السوريون في دار الأوبرا بدمشق لأول مرة بعد سقوط نظام بشار الأسد ضمن تظاهرة أفلام الثورة السورية..

والفيلم الذي عنه (باعتبار المنجز الذي قدمته سؤدد للسينما) يثير اهتمام النقاد من جانبين ، الأول أنه يقدم (الثورة) في فنها ورأيها على صالة رسمية كانت حراماً عليها من قبل.

والثاني، ينبه إلى أن الأفلام السينمائية السورية لم تمت خلال الحرب، بل تمكنت من تقديم صورة الثورة ومعاناة الشعب السوري في أصعب لحظات حياته، حتى وإن كان ثمة أفلام على الضفة الأخرى عالجت المضمون نفسه من خلال وجهة نظر النظام .

يأخذنا فيلم النزوح إلى تلك الحرب، فيبني تصويره وأحداثه في بانوراما المشهد المأساوي نفسه (الخراب، الدمار، الدم ..) وذلك من خلال قصة أسرة (مختصرة) أب وابنته وزوجته في منطقة حصار تهاجم بالبراميل، ونتيجة لإحدى الهجمات يصاب هذا بيت هذه الأسرة وتتغير حياتها، فلا يبقى في الحارة التي تسكنها إلا عدد قليل من السكان ومجموعات صغيرة من المقاتلين .

تنحصر الوقائع الرئيسية للفيلم داخل (البيت) في صورتيه (البيت قبل الاستهداف  وبعده)، وهذا صعب فنيا وإنتاجيا، فالمشاهد يفترض أن تصور في حالتين قبل وبعد، أي في بيت سليم مع ديكوراته وأثاثه الطبيعي، والبيت نفسه وقد تغيرت تضاريسه وتناثرت أشياؤه نتيجة الدمار.

ومع ذلك اشتغل المخرج ضمن سياق السيناريو والديكور على اللعبة، فنجحت إلى حد كبير، بحيث كان بمقدور المشاهد أن يقبل الصورتين معا، ولايجد الفرق بينهما. وفي السياق أن فجوة تحصل في سقف البيت، وهي بالتحديد في غرفة الفتاة زينة ذات الـ 14 سنة، ويستغل السيناريو هذه الصورة ليكشف على سماء الله الواسعة والساحرة، ومن تلك الفجوة يطل عليها فتى من السكان يوازيها في العمرهو (عامر)، فتقيم صداقة معها، وينجح في كسر عزلتها وتخفيف ضغوط الوحدة والخوف  من خلال عالم يبتكره هو من أدوات تركها إعلام الثورة قبل أن يغادر المكان.

تحولت الحرب إلى حب ونشأ ارتباط جميل في المصير والحلم بين زينة وعامر، لايلبث السيناريو أن يقتطفه وهو يتجه إلى نهاية الفيلم ، فيعبران نفق النجاة معا، ويتحول عامر إلى منقذ قبل أن يعود الأب وينضم إليهم ..

الصراع يتصاعد بين الأب (سامر المصري) مبدعا ومقنعا بحضوره وأدائه وأسلوبه ، وبين الأم (كندة علوش) التي قفزت إلى قلب المعاناة بأداء صادق ومعبر وجريء، وقدمت صورة المرأة بأفضل تجسيد. ومع تعقد الظروف في حالة الحصار تُصر الأم واسمها (هالة) على الرحيل وتدخل في صراع مع زوجها واسمه (معتز) الذي يرفض أن يتحول للاجئ ويمنع عائلته من ترك المنزل، وتنتصر هالة وابنتها عندما ينضم إليهما معتز في رحلة النزوح التي يختتم فيها الفيلم، لذلك لايجد الأب مخرجا آخر إلا الإنضمام إليهم .

ابتعد الفيلم عن البروغاندا، فقدم الإنسان السوري كإنسان، ولم يبحث عن إدانة أو تحريض مباشرة للنظام، لأن الصورة والدلائل واضحة، في الخراب وفي بقايا المدرسة التي ظلت على جدرانها شعارات النظام، وظهرت رسالة الفيلم سلسة تدخل إلى الأعماق، حتى لو لم يعرف المشاهد أن الأحداث تجري في سورية .

يتألف طاقم العمل من سؤدد كنعان في الإﺧﺮاﺝ والتأليف ، ومن نبيل أبو صالح  ودارينا الجندي و نزار العاني  وسامر سيد علي  وكندة علوش  وسامر المصري وآخرين، وفي هذا الطاقم تمكنت السينما السورية من تقديم نموذج ناجح كان ضمن قائمة الأفلام الطويلة والقصيرة الناجحة التي أنتجتها الثورة .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى