أفلام روائية ووثائقية من فلسطين إلى مصر: «قافلة» المخرجات تحطّ رحالها في صيدا
مساء الجمعة، تنطلق فعاليات الدورة 13 من «مهرجان سينما المرأة» تحت شعار «قافلة بين سينمائيات» في بيروت وصيدا. يؤسس المهرجان ذو النشأة المصرية، لنسخته اللبنانية بعد مروره في عدد من بلدان العالم العربي وأوروبا وأميركا اللاتينية. ليست النسوية ميزة الملتقى فحسب، بل إنه أيضاً يسهم في تحرير الأنشطة الثقافية الكبرى من أسر المركزية في العاصمة.
على مدى خمسة أيام بين 26 و30 نيسان الجاري، ستتوافر أمام الراغبين بشكل مجاني، فرصة مشاهدة تسعة أفلام طويلة وسبعة أفلام قصيرة (مترجمة إلى العربية) لمخرجات من مصر وفلسطين ومدغشقر وسويسرا والبرازيل وفييتنام وسلوفينيا وهولندا والدانمارك في «مركز معروف سعد الثقافي» في صيدا، فضلاً عن ثلاثة عروض ستقدم في «دار النمر» في بيروت، وعرض واحد في مخيم عين الحلوة. فعاليات المهرجان حضّرت بالتنسيق مع مؤسسة «كلاكيت عربي» و«مركز أجيال» بالشراكة مع «مركز معروف سعد» و«دار النمر».
بعناية، اختارت إدارة المهرجان الفيلم الذي يفتتح دورته اللبنانية الأولى الجمعة في «مركز معروف سعد الثقافي» في صيدا. أمام جمهور تقمص القضية الفلسطينية والشتات، تقدم المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر فيلمها «واجب» (الجمعة 26/4 ـــ س:20:00) الذي ترشح العام الماضي لجوائز الأوسكار.
يأخذ «الواجب» عاصمة الجنوب إلى مدينة الناصرة حيث تدور أحداث الفيلم الروائي على مدى 96 دقيقة. ليس بعيداً عن المركز، وقبل ساعات قليلة من «واجب»، يعرض فيلم «تأتون من بعيد» للمخرجة المصرية أمل رمسيس في «مركز أجيال» في عين الحلوة، إلى جانب عروض في مراكز أخرى.
بحضورها ومشاركتها في نقاش حوله، تختبر الأخيرة تفاعل أهالي أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني مع الفيلم الذي يحكي قصة المناضل الشيوعي الفلسطيني نجاتي صدقي في 84 دقيقة، بين مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية ضد الفاشية إلى جانب كثر من العرب، وصولاً إلى اضطراره لمغادرة بيروت إلى اليونان مع اندلاع الحرب الأهلية. يعكس صدقي وأولاده الذين يعيشون في ثلاثة بلدان متباعدة (روسيا واليونان والبرازيل)، حكاية الفلسطيني الذي طرد من أرضه ليهيم بين بلدان العالم.
يعود الفضل لرمسيس بتعريف الأجيال الصاعدة إلى سكرتير الحزب الشيوعي في فلسطين في الثلاثينيات الذي طرد من حزبه وتعرض للتهميش بسبب مواقفه المستقلة، حتى وفاته في أثينا عام 1979. بين عامي 2007 و2018، تنقلت رمسيس بين بيروت وموسكو والبرازيل واليونان تجمع أطراف حكايا المناضل الذي عمل لاحقاً مذيعاً في إذاعة الشرق الأدنى. حتى مطلع الشهر الجاري، نال الفيلم جوائز عدة دولية وعربية آخرها في «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية» مطلع الشهر الجاري.
الافتتاح الفلسطيني الهوى للمهرجان، سوف يحلق بعيداً نحو أميركا وأوروبا وآسيا، لا سيما مع حضور مخرجات أربعة أفلام لعروضها. لا تعلق الأفلام المختارة في بوتقة تنميط النسوية وحصر قضاياها بالتمييز والعنف والتسليع. معظمها يفتش عن الحق والعدالة في الحروب والصراعات كـ «فاهافالو مدغشقر: 1947».
اختيار الأفلام هدف إلى إثبات أنّ هموم النساء متشابهة حول العالم. فيلم «الزوجة الثالثة» للمخرجة الفييتنامية آش مايفير يحكي قصة فتاة فيتنامية في الرابعة عشر من عمرها تصبح الزوجة الثالثة لثريّ لتنجب له أطفالاً. ومن الأفلام، «اليشيا» للمخرجة الهولندية ماسيا أومس و«الحكاية المذهلة للكمثرى الضخمة» للمخرجات الدانماركيات فيليب ليبسكي ويورجين لاردام وأمالي نيسبي و«برج العذارى» للمخرجة البرازيلية سوزانا ليرا.
في حديث إلى «الأخبار»، أوضحت منسقة المهرجان في لبنان رشا نجدي بأنه «يسلط الضوء على الأفلام حديثة الإنتاج التي كانت النساء وراء صناعتها بهدف تخصيص مساحة لأفلام المخرجات التي قد لا تنال المساحة في المهرجانات الأخرى». وتوقفت عند القيمة المضافة التي يتميز بها المهرجان في «نقل النشاطات الثقافية إلى خارج بيروت». وتشير إلى أنّ إدارته «تعمدت تركيز معظم العروض في صيدا، فضلاً عن إقامة المخرجات الضيفات في المدينة طوال أيامه». في هذا الإطار، تحدثت هدى حافظ من «مركز معروف سعد» عن الشراكة «الدائمة والكاملة بين المهرجان والمركز»، مشيرة إلى أن الأخير «سيستضيف الدورة الثانية من المهرجان العام المقبل».
لم تختلف مهنة أمل رمسيس بين أول مشوارها وآخره. بدأت محامية معارضة وانتهت مخرجة معترضة، توجت مسارها المعاكس بتأسيس مهرجان لسينما المرأة في بلدها مصر. لا تعيش من عمل الأفلام التي تصنعها من ألفها إلى يائها وتنتجها في معظم الأحيان «بسبب محتواها السياسي» تقول. شكلت استقلالية سينماها، استكمالاً لاستقلاليتها التي عادت إليها بجوائز عدة من مهرجانات عربية ودولية.
قبل 15 عاماً، قررت الإقلاع عن ممارسة المحاماة. سافرت إلى إسبانيا لدراسة السينما. لم تكتسب أصول الإخراج فقط، بل اللغة الإسبانية التي عرفتها إلى سينما أميركا اللاتينية التي «لا تصل إلى بلادنا. إذ تفصل بيننا وبينها سينما أوروبا والولايات المتحدة الأميركية». خلقت ما يشبه التوأمة الضمنية بين عملها والسينما الناطقة بالإسبانية.
«وجدت قضايا مشتركة كثيرة بينهم وبين العالم العربي، لكن ما يعيق التواصل هو اللغة» تقول لنا. بعد اجتيازها عائق اللغة، شاركت في مهرجان السينما القصيرة في كوبا عام 2005 بالفيلم العربي الوحيد «بس أحلام» الذي فاز بجائزة «ليس لأنه الأفضل، بل لأنه الوحيد الذي ترجم للإسبانية».
من هنا، تصر على ترجمة كل الأفلام التي تنتجها أو تعرضها لمخرجات أخريات، إلى لغة البلد الذي تعرض فيه. في 2008، أسست رمسيس «مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة» الأول من نوعه في العالم العربي. منه، تفرع مهرجان «بين سينمائيات في العالم العربي وأميركا اللاتينية». طوال السنوات العشر الماضية، قدم المهرجان التجارب النسوية السينمائية العربية والإيبرواميركية ومد جسر تواصل بين السينما من بلاد الشام ومصر والمغرب العربي إلى السلفادور والبيرو والمكسيك. ومن المقرر أن ينظم دورته الحادية عشرة لهذا العام، في إسبانيا والمكسيك، بعد اختتام عروض بيروت وصيدا المرتقبة نهاية الشهر الحالي.
لا تهدف رمسيس إلى استدعاء الإشكال مع السلطات. لكن بحثها عن الحقائق المخفية والممنوعة تحيلها إلى طريق مسدود مع تلك السلطات، منها نقل فعاليات المهرجان من القاهرة للمرة الأولى هذا العام. بحثها قادها عام 2003 إلى كشف النقاب عن مشاركة 700 عربي في الحرب الأهلية الإسبانية، منهم ضد نظام فرانكو الفاشي ومنهم منضوون معه مجبرون بفعل الاستعمار الإسباني على المغرب. ذلك الدور وثقته في فيلم «تأتون من بعيد» الذي أنتجته عام 2018 بعد 15 عاماً من البحث، اضطرها لشراء الحقوق المحفوظة لجزء من أرشيف تلك الحرب.
في أعمالها الثلاثة السابقة، اصطدمت رمسيس بحوائط مختلفة جمعتها في فيلمها «ممنوع» الذي صورته قبيل «ثورة يناير» في شوارع القاهرة، مختصراً لائحة «التابوهات» التي تحاصر الإنسان العربي. تابوهات انفجرت لاحقاً في فيلم «أثر الفراشة» الذي نقل المجازر الدموية والثقافية والمجتمعية التي أصابت المجتمع المصري خلال الثورة وبعدها. مصائر «الربيع العربي» لم تسمح لرمسيس بأن تستريح. إذ تعكف حالياً على كتابة سيناريو روائي «عن الهروب من المصائد على أنواعها من المجتمع إلى السلطة».
صحيفة الاخبار اللبنانية