أكثر من مأزق يدفع أردوغان كرها لمصالحة مع مصر

 

استأنف تركيا الاتصالات الدبلوماسية مع مصر بعد سنوات من القطيعة والتحريض على العنف وقلب نظام الحكم الذي وصفته بعد أن عزل الجيش الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بـ”الانقلابي“.

ويُعتبر استئناف الاتصالات الدبلوماسية في هذا التوقيت وبعد نحو شهرين من المصالحة الخليجية، انعطافة في مسار العلاقات التركية العربية والتي تأتي بدفع من أزمة اقتصادية وعزلة إقليمية ودولية تواجهها تركيا.

وبدت الخطابات التركية حيال مصر في الأشهر القليلة الماضية وكذلك حيال الدول الخليجية ودول الاتحاد الأوروبي أقل تشنج، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطة إصلاحية تشمل تصحيح مسار العلاقات الخارجية التي شهدت توترات على أكثر من جبهة عربية وأوروبية.

ولا تأتي هذه الانعطافة من فراغ أو محاولة تصحيحا لمسار العلاقات الخارجية بقدر ما هي محاولة لفتح منافذ لتنفيس أزمة بدأت تخنق تركيا ماليا وسياسيا بينما يستعد أردوغان وحزبه العدالة والتنمية لخوض الانتخابات في 2023 برصيد شعبي ضعيف وبشعبية مهتزة.

وقال قادة أتراك اليوم الجمعة إن تركيا استأنفت الاتصالات الدبلوماسية مع مصر وترغب في تعزيز التعاون معها بعد سنوات من التوتر.

وقد يترتب على دفء العلاقات بين القوتين الإقليميتين تداعيات في أنحاء الشرق الأوسط، حيث يسعى البلدان للتأثير على مجريات الأحداث في بؤر التوتر المختلفة ويقفان على طرفي النقيض في نزاع بحري بالبحر المتوسط.

وقال مصدران من المخابرات المصرية إن تركيا اقترحت عقد اجتماع لبحث التعاون، لكنهما ألمحا إلى أن الاتصالات ما زالت في مراحل تمهيدية.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة إن الاتصالات “ليست على أعلى مستوى، لكنها عند المستوى التالي له مباشرة. يحدونا الأمل في أن نتمكن من مواصلة هذه العملية مع مصر بقوة أكبر”.

وأضاف أن التعاون بين بلاده ومصر في مجالات الاستخبارات والدبلوماسية والاقتصاد مستمر.

وعن التدريبات السعودية المشتركة مع اليونان، قال أردوغان “سنناقش هذا الأمر أيضا مع السلطات السعودية وهو ما نعتقد أنه ما كان يجب أن يكون على هذا النحو، ما كان يجب أن يحدث”.

ونقلت وكالة الأناضول الحكومية للأنباء عن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قوله “نجري اتصالات مع مصر على مستوى المخابرات ووزارة الخارجية… بدأت الاتصالات على المستوى الدبلوماسي”.

وأصاب الفتور العلاقات بين القاهرة وأنقرة منذ عزَل الجيش المصري لمرسي، حليف أردوغان والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، من الرئاسة إثر احتجاجات عارمة على حكمه في 2013.

وقال المصدران في المخابرات المصرية إن مسؤولا أمنيا مصريا تلقى اتصالا هاتفيا من مسؤول في المخابرات التركية أمس الخميس يبدي الرغبة في عقد اجتماع بالقاهرة لبحث سبل التعاون على الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية.

وأضافا أن المسؤول المصري رحب بالدعوة ووعد بالرد في أسرع وقت ممكن، فيما جاءت المكالمة في أعقاب اتصالات غير رسمية بين مسئولين أمنيين مصريين وأتراك لبحث سبل التواصل بين الجانبين.

وبحسب المصدرين، لم تُطرح قضية الحدود البحرية التي تمثل مصدر توتر بين تركيا ودول أخرى في شرق البحر المتوسط.

وستكون إعادة بناء الثقة مهمة عسيرة، فعلاوة على التوترات التي نجمت عن الإطاحة بمرسي والنزاعات في البحر المتوسط، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري الأسبوع الماضي إن جامعة الدول العربية تعرب عن رفضها القاطع للتدخلات العسكرية التركية في سوريا والعراق وليبيا.

وتأتي تصريحات جاويش أوغلو في وقت تسعى فيه تركيا لرأب الصدع في العلاقات مع بعض من القوى الإقليمية. وقال اليوم الجمعة إن أنقرة سترد بالمثل إذا اتخذت السعودية والإمارات “خطوات إيجابية” لتجاوز الاضطرابات الأخيرة.

وتوترت العلاقة بين أنقرة والرياض بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018 وبسبب الخلاف بين قطر، حليفة تركيا، ودول خليجية أخرى. وانهارت التجارة في ظل مقاطعة غير رسمية من جانب الشركات السعودية.

وتختلف أيضا تركيا مع الإمارات بسبب الصراع في ليبيا ويتبادل البلدان الاتهامات بزعزعة الاستقرار الإقليمي.

وقال الوزير التركي “لا يوجد ما يمنع تحسين العلاقات مع السعودية. في حال أقدمت السعودية على خطوات إيجابية فسنقابلها بالمثل والأمر ذاته ينطبق على الإمارات. لا نريد التشاحن مع أحد”.

وقادت أنقرة حملة شرسة ضد السعودية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول وحاولت تدويل القضية وإثارتها اكثر من مرة حتى بعد اتخاذ المملكة الإجراءات القانونية واعتقال ومحاكمة الجناة.

ونفى الوزير التركي نفيا قاطعا أن تكون بلاده قد وجهت اللوم للقيادة السعودية في مقتل خاشقجي في تصريح يتناقض مع ما قاله أردوغان حينها حيث تمسك بأن “العملية نُفذت بأوامر صادرة من أعلى المستويات” في الحكومة السعودية.

وكان الإعلام التركي الرسمي والإعلام القطري ينشران تسريبات حول الجريمة مركزين على أن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دور في مقتل خاشقجي وهو ما نفته الحكومة السعودية.

وذكرت الرئاسة التركية أن أردوغان تحدث إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 واتفقا على حل الخلافات عبر الحوار.

وفي خطوة تقارب أخرى، عرضت تركيا أيضا الوساطة في ملف سدّ النهضة وهي التي تجمعها ارتباطات وثيقة باثيوبيا.

وعبر فيصل إيروغلو المبعوث الشخصي للرئيس التركي إلى العراق، استعداد بلاده للوساطة في أزمة ملف سد النهضة الإثيوبي، مضيفا أن بإمكان بلاده “الوساطة في أزمة ملف سد النهضة شريطة عدم تدخل الدول الغربية لأن ذلك قد يقود إلى عدم المصالحة”.

وأفاد بأن سد النهضة قضية تقنية ولدى تركيا الكثير من الخبراء الذين يمكنهم المساعدة في حلها.

وفي خضم هذه التطورات يبقى ابرز ملف خلافي بين مصر وتركيا ملف الإخوان المسلمين والقيادات الاخوانية الفارة من أحكام قضائية ووفرت لهم أنقرة ملاذات آمنة.

ولم يتم التطرق إلى هذا الملف، لكن من المتوقع أن ينقلب أردوغان على تلك القيادات في بلاده وهو أمر وارد فالرئيس التركي الذي يقدم نفسه نصيرا لـ “المظلومين” في العالم الإسلامي والذي صدّع الرؤوس بخطاباته وهو يدافع عن أقلية الايغور التركية الفارة من اضطهاد الصين، قدم هؤلاء على مذبح التقارب مع بكين نظير عقود صينية سخية وشحنات من اللقاحات المضادة لكورونا.

وما ينطبق على أقلية الايغور التي يتعرض أفرادها في تركيا لمداهمات واعتقالات وترحيل سرّي إلى الصين، ينطبق على قادة في الإخوان المسلمين الذين قد يسلمهم أردوغان لمصر نظير المصالحة وفك عزلة بلاده.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى