
في زمن تنتشر فيه العصبة القبلية والطائفية البغيضة، وتسود التفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتصبح المناطق الصغيرة شعاراً للتقسيم وتفتيت البلاد إلى أجزاء صغيرة، في مثل هذا الوقت يقف أكثر من هولاكو عند الأبواب، وربما يفعلون ذلك من باب التباهي، أو المراقبة وتحريك الساكن ودفعه صوب الاشتعال، وفي مثل تلك الحال ليس ثمة من داع لدخول ” الهوالك، أو الهولاكات” إذا جاز لنا التعبير إلى البلاد، لأن قواتهم قد دخلت وتمركزت في الكثير من المطارح.
نحاول في تلك الكلمات الإشارة إلى مسرحية “هولاكو على الباب ينتظر” التي ينشغل خليفتها بشرابه ولهوه ، بينما ينشط عملاء العدو في كل مكان، وهي تبقينا مع السؤال المهم وهو لماذا لم تدخل تلك الشخصية إلى بغداد؟ ولعل الجواب يكمن في أمرين هما حصر العمل بما يجري داخل المدينة، والابتعاد عن ذكر تلك الأفعال التي مورست بحق أهلها.
يظهر النص الخليفة بصورة الضعيف والمستسلم والقابل للهوان وفيها تتجسد واحدة من مقولات العمل المهمة وهي وضع شخصيات غير مؤهلة في سدة الحكم.
وفي موازاتها تظهر شخصية “العلقمي” الذي يصرح بخيانته أمام الجميع وتلك مقولة مهمة أخرى لها علاقة بزمننا الراهن حيث العمالة والتآمر على الأوطان مسألة يشرعها من انقلبوا على أمهاتهم والحليب الذي رضعوا منه، وقد أراد الكاتب اللعب على راهنية هذه الشخصية وعدم تقديمها بشكل تقليدي.
وهي متفوقة على قائد الجيش والشرطة والبغدادي الذي يخطب في الناس، وكانت إرادة كل من الشخصيتين هي الدفاع عن المدينة حتى أخر رمق، والغريب أو المستهجن أن الكاتب قد جعل ذلك الخليفة الضعيف يقتلهما مع إدراكه وعلمه أنهما على حق، أما الشخصيات الأخرى التي رمز لها الكاتب بصفة الكلاب، فهي ليست فاعلة، لأنها ستنبح مع ما يتماشى مع منفعتها.
يعتمد هذا النص في البناء على الطريقة البريختية وهنا تأتي بمعنى أن الشخصية تمثل وقد تنقلب في لحظة من شخصية ماضوية إلى عصرية، ومن جادة إلى هزلية، وقد تبدل لباسها وقناعها أمام الجمهور، ويظهر لنا ذلك مع الممثل الذي يؤدي دور الخليفة وهو يعترض على الجمهور الذي ينوي الخروج، ولكنه يخاطبهم قائلاً : “اجلسوا في أماكنكم، المسرحية مستمرة” وفي هذه الكلمات أكثر من دلالة وخاصة في اللعب على الزمن المفتوح.
ليست غايتنا من هذه القراءة الوقوع تحت ما جرى تاريخياً، وما يميز هذه المسرحية هو الخروج من العباءة التاريخية للواقعة، والتقارب مع لغة الآن ومثال على ذلك قول “العلقمي” :” صدقوا أم لم يصدقوا، يصطفلوا” كما تأخذ السخرية في أسلوبية ظريفة، ونعتقد أن هدف ذلك هو تلطيف مرارة سقوط الأوطان ومنها قول الخليفة:” أنا الخليفة الأهبل” وقوله “للعلقمي” : ” خائن محترم” ونكاد نجزم أن النهاية جاءت مناسبة لمن يواسدون الخيانة وتصابحهم كما تماسيهم مكامن فتنتها معتقدين أن العدو سيعطيهم المكاسب تلو الأخرى، والنهاية فيها الكثير من الذل والمهانة والسخرية السوداء المؤلمة، أو لعلها أقرب إلى العبثية حيث ينهض الخليفة ويرفع كأساً مكسورة ويصرخ بأعلى صوته: “بصحة حج محمد هولاكو” وعندها “تنبعث زغاريد الترحيب وهي تردد : ياحج محمد يويو، عطيني حصانك يويو”
ونحن نرى أن المؤلف الدكتور حمدي موصللي قد تقاطع في نصه مع الكثير من النصوص والمقولات، لكنه تجاوزها بيسر وذهب نحو المختلف في البنية الفكرية والفنية، وأعاد تشكيل تلك الواقعة التاريخية لتصير واقعة أخرى، رتبها وهندسها بما يتناسب مع رؤية فنية رائقة وجادة في الآن ذاته.
غايتنا في النهاية وبعيداً عن حكاية المؤامرة هي النظرة الحقيقية المبصرة التي من المفترض أن ترى آلاف الغزاة الذي يتزاحمون على الأبواب سواء كان ذلك ماضياً أو حاضراً أو استشرافاً للمستقبل.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



