أكراد عين العرب.. ضحية الخريطة الجديدة!
لم يكد يمضي أسبوعان على بدء الهجوم الذي يشنه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – “داعش” على منطقة عين العرب (المعروفة أيضا باسم كوباني)، والتي يقطنها سوريون أكراد، حتى بدأ المشهد السياسي في الشمال السوري بالتغيّر، فالمنطقة الواقعة على بعد نحو 160 كيلومتراً من مدينة حلب، والمحاذية تماماً للحدود التركية، بدأت تدخل في طور خريطة جديدة قد ترسمها التحالفات الدولية من جهة، والرغبة التركية من جهة أخرى، واضعة المنطقة أمام “سيناريوهين” اثنين، أحدهما يتحدث عن “منطقة عازلة” ترغب تركيا بإقامتها في الشمال السوري، والآخر ينتهي بإقامة “منطقة كردية” مستقلة على غرار كردستان العراق تحت كنف تركي، في حين تبقى الاحتمالات مفتوحة لسيناريوهات جديدة قد تظهر مع تواصل المعارك في المنطقة وتغير التحالفات، ومن بينها افراغ شمال سوريا من الاكراد!
في الثامن عشر من الشهر الحالي، استيقظ سكان منطقة عين العرب (كوباني) على أصوات قصف ومعارك عنيفة، أذنت لتقدم “داعش” في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ويقيمون فيها منطقة “إدارة ذاتية”، وسط دعم تركي وصفه مسؤولون أكراد بأنه “كبير” لمسلحي التنظيم المتشدد، الذين تمكنوا خلال أيام قليلة من السيطرة على أكثر من 200 قرية في المنطقة التي تضم نحو 440 قرية، ليصبح التنظيم على بعد أقل من 10 كيلومترات عن مدينة عين العرب، وذلك وسط حالة نزوح كبيرة من السكان الخائفين من تكرار سيناريو سنجار في العراق (حيث ارتكب تنظيم “داعش” عدة مجازر بحق السكان الايزيديين).
ويحتشد أكثر من 200 ألف مواطن على الحدود التركية المغلقة في وجوههم، قبل أن تسمح الحكومة التركية بدخول بعضهم، وذلك “تحت ضغط شعبي” من المناصرين للقضية الكردية في الداخل السوري.
وفي حين ينظر سكان عين العرب إلى تركيا كـ”عدو يحرّك أدواته في سوريا (داعش) ضدهم”، تستقبل تركيا مئات آلاف النازحين الأكراد بعد ضغط شعبي إثر قيام الحكومة التركية بإغلاق الحدود، ما يضع تركيا تحت خطر تغيرات ديموغرافية ترجح كفتها لصالح عدو قديم حديث يتمثل بـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في عين العرب.
وبعيداً عن التحالفات والأهداف السياسية، تمثل معركة “عين العرب” معركة ايديولوجية بحتة، حيث يصطدم مشروع “دولة الخلافة” التي يسعى تنظيم “داعش” لإقامتها على الأرض السورية بـ”الكانتون” الكردي ذي الميول اليسارية، والذي أقام “إدارة ذاتية مستقلة”، مناوئة أيضا للحكومة التركية، ما يجعل المعارك في الشمال السوري “معركة وجودية، بين مشروعين متنافرين”.
وفي هذا السياق، يرى صحافي سوري كردي، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن “المعركة في كوباني هي معركة أكون أو لا أكون بالنسبة إلى المقاتلين الأكراد”، الذين يقاتلون منذ أكثر من عام، ويتلقون التدريبات والدعم اللوجستي من “حزب العمال الكردستاني”، موضحاً “أن المشروع اليساري الكردي بات يشكل عقبة كبيرة أمام أحلام داعش، لذلك بدأ الضغط يزداد من قبلهم على مناطقنا”، وفق تعبيره.
وتتوافق أهداف “داعش” مع أهداف الحكومة التركية، التي ترى أن “وجود الادارة الذاتية المدعومة يسارياً على حدودها الجنوبية مشكلة تتمتع بطابع ثأري، وفق تعبير الصحافي الكردي، الذي أضاف أن “إقامة إدارة ذاتية مستقلة لا تتبع لأي طرف خارجي، يمثل حزب العمال الكردستاني عماداً لها تعتبره تركيا خطرا عليها لذلك قامت بفتح أبوابها لداعش، وقدمت له كل الدعم في معركته”.
وفي وقت يشتد فيه الخناق الدولي على تنظيم “داعش” في سوريا، حيث تقوم طائرات التحالف الدولي بقصف مواقعه في سوريا، يراقب أبناء عين العرب، وإدارتها الذاتية، تقدم مسلحي “داعش” نحو مدينتهم من دون اي تحرك دولي “جدّي” يوقف هذا التقدم، الأمر الذي يعتبرونه “تواطؤاً دولياً مع داعش لانهاء الإدارة المستقلة الكردية، وتمهيداً لاحتلال الإرادة والاستقلال”.
ويقول مساعد وزير خارجية مقاطعة كوباني في الادارة الذاتية ادريس نعسان لـ”السفير” إن “ما يتم الآن في كوباني يتم بغطاء دولي، فطائرات التحالف تراقب تقدم داعش من دون اية ردة فعل حقيقية”.
وعن سبب عدم التحرك الدولي لحماية عين العرب على غرار التحرك الذي تم لإنقاذ إقليم كردستان العراق، يرى المسؤول الكردي ان “حكومة كردستان العراق مرتبطة بالرغبات والأطماع الدولية، وتعمل بالتعاون مع الغرب على تحقيق مصالحه لذلك تحرك لإنقاذ الاقليم الكردي الغني بالنفط هناك”. ويضيف نعسان “هنا في كوباني الوضع مختلف، نحن مستقلون بإرادتنا وندافع عن خيارنا وقرارنا وهذا يتنافى مع مصالح الغرب الذي يدعي انه يعمل على حماية الوجود الإنساني، إننا نشكل عقبة في وجه مصالحهم لذلك قاموا بتسليم المعارك هنا للإدارة التركية التي قامت بتقديم كل الدعم لداعش”.
واستطاع المقاتلون الأكراد أن يوقفوا تقدم “داعش” في مناطقهم التي شهدت نزوح معظم المدنيين منها، لتشهد المدينة منذ يومين قيام مسلحي “داعش” بقصفها بشكل متصاعد، ارتفعت وتيرته، وطالت الأراضي التركية، في ما يبدو انه “قصف تمهيدي لاستكمال المعارك”.
وفي هذا السياق، يقول المسؤول الكردي: “تزامن قيام داعش بقصف المدينة مع قيام السلطات التركية بإخلاء النقاط الحدودية من عناصرها، والانسحاب إلى مناطق آمنة، حيث طالت هذه القذائف أماكن تواجد النازحين الذين أجبرهم الإرهابيون على ترك منازلهم”.
وبالتزامن مع قيام “داعش” بقصف عين العرب، تفيد المعلومات بأن حشوداً عسكرية تركية توجهت إلى الحدود السورية قرب عين العرب، الأمر الذي رأى فيه المسؤول الكردي انه “مؤشر لعمل عسكري بري قد تقوم به القوات التركية في الأراضي السورية الكردية”، مشدداً على أن هذه الخطوة “جاءت بعد فشل داعش في التقدم وتمكن القوات الكردية من التصدي لها”، مؤكداً في الوقت ذاته أن القوات الكردية ترى في أي تدخل بري “عدواناً واحتلالاً للأرض التي ستدافع عنها”، ومضيفا أن ما “يحصل في كوباني في الوقت الحالي هو ضريبة الاستقلال في الرأي، وعدم الانخراط في مشاريع الغرب”، وفق تعبيره.
وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة القصف، والتحرك العسكري التركي، والقصف “الخجول” لطائرات التحالف الدولي لبعض مواقع “داعش” في محيط كوباني، يبقى مستقبل المنطقة مرهونا بنتيجة المعارك على الأرض من جهة، والتي تميل حتى الآن لصالح القوات الكردية المدافعة عن مناطقها، في حين يبقى احتمال التدخل التركي خياراً أخيراً في لعبة السيطرة والنفوذ في الشمال السوري الخارج تقريبا عن سيطرة الحكومة السورية، والمشتعل بعشرات الجبهات المختلفة، والذي شهد منذ بداية الأحداث في سوريا قبل أكثر من أربعة أعوام أحاديث عديدة عن إقامة “منطقة عازلة” قد تتم عبر بوابة عين العرب.
بطاقة تعريف
عين العرب (كوباني) هي مدينة سورية حدودية مع تركيا، تقع في الشمال السوري على الضفة اليسرى لنهر الفرات، تتبع لمحافظة حلب وتبعد عنها نحو 160 كيلومتراً.
كانت عين العرب تاريخياً عبارة عن قريتين متجاورتين (كانيه عربان وكانيه مرشد)، وتحوّلت مع مرور الوقت إلى مركز قام الفرنسيون خلال الانتداب بتطويره وبناء مرافق فيه، تحوّل فيما بعد إلى مدينة ألحقت بها نحو 440 قرية صغيرة، يقطنها أكثر من 300 ألف نسمة جميعهم تقريباً من الأكراد السنة.عرفت عين العرب منذ تحولها إلى مدينة باسم “كوباني” بين سكانها الأكراد، بالرغم من عدم وجود جذر كردي للاسم، حيث تختلف الروايات بتسميتها، فثمة رواية تعيد التسمية لشركة ألمانية تدعى “كومباني” قامت ببناء سكة حديدية في المنطقة وأقامت محطة صغيرة فيها، فتداول السكان اسم المحطة، وتم تحويرها لتتخذ الاسم الجديد: كوباني)، في حين تقول رواية أخرى أن اصل الاسم جاء من اسم القرية التي كانت موجودة فيها (كاني عربان) التي كان يقصدها البدو لرعي مواشيهم، والتي تعني ترجمتها الحرفية من الكردية إلى العربية (عين العرب)، وهو الاسم الذي أطلقته الحكومة السورية على المنطقة بعد وصول حزب البعث الى السلطة.
وينتمي سكانها إلى مجموعة من القبائل: كيتكان – شيخان – شدادان – ميران – بيشان – عليدينان – معفان زرواران – عاصيان – ديدان – دنان – قره كيجان أوخيان، اتحدوا جميعاً تحت اسم “اتحاد قبائل برازي”.
تعتمد عين العرب بشكل رئيس على الزراعة، وتعتبر من أكثر الأراضي السورية خصوبة، كما تضم مراعي واسعة، حيث تشتهر بزراعة القمح والشعير والعدس والكمون، بالإضافة إلى زراعة أشجار الزيتون والفستق الحلبي وبمساحات واسعة.
سياسياً، ينتمي سكان عين العرب للفكر اليساري، حيث ينتمي عدد كبير من سكانها إلى “حزب العمال الكردستاني”، وشارك عدد من أبنائها في المعارك التي خاضها الحزب في تركيا. وأقام الأكراد في كانون الثاني الماضي نظام “إدارة ذاتية” للمنطقة، ويقوم أبناؤها بالدفاع عنها في الوقت الحالي ضد “غزو” مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.