«أميرة الحب والأحزان»… الفصل الأخير في حياة أسمهان

يقدم كتاب «أميرة الحب والأحزان» الصادر أخيراً عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة للكاتب ماهر زهدي سيرة ذاتية للمطربة أسمهان التي مرقت في سماء الفن كشهاب مر سريعاً، لكنه ترك أعظم الأثر في النفوس كصوت أسطوري.
لجأ المؤلف إلى أسلوب السيرة الدرامية الروائية، وليس السرد التاريخي الجافّ. بمعنى أن أحداث حياة أسمهان تُروى هنا وفق قالب فني درامي يجعلنا نعيش الحدث مضافاً إليه توتر المشاعر واضطراب الشخصيات، في ظل بيئة مكانية وزمانية شديدة الخصوصية، لكنه يتوقف طويلاً بكثير من الإسهاب والتأمل وحشد التفاصيل في فصل النهاية، في تلك القصة الدرامية المليئة بالشجن في حياة أسمهان. اسمها الحقيقي آمال الأطرش: «1912 – 1944».
عندما كانت أسمهان تمثل لقطات فيلم «انتصار الشباب» مع شقيقها الموسيقار فريد الأطرش في «استوديو مصر» الذي كان يديره الممثل والطيار والمذيع أحمد سالم الذي لقب بـ«دون جوان» عصره، لكثرة زيجاته وعلاقاته. كانت أسمهان كأنثى تراقبه من كثب أثناء عملها، وتحصي عليه مغامراته، غير أنها لم تقترب منه، خصوصاً أنه كان خلال هذه القترة زوجاً لصديقتها، أمينة البارودي.
وبعد انتهاء الفيلم لم تره، حتى جمعت بينهما الصدفة مرة أخرى في رحلة عمل إلى فلسطين كانا نزيلين في «فندق الملك داود». كان سالم برفقة الفنانة تحية كاريوكا، فكان اللقاء حاراً بين أسمهان وكاريوكا، وأقامت لهما حفل استقبال على شرفهما، لا سيما أن تحية كانت تربطها آنذاك علاقة حب قوية بأحمد سالم، ويستعدان للزواج، لكنها لم تلبث أن غادرت إلى بيروت، ومنها إلى حلب لإحياء بعض الحفلات التي كانت قد تعاقدت عليها.
هيَّأت الأقدار أن يكون اللقاء بين أحمد سالم وأسمهان منفردين، وكانت النفوس مهيأة مسبقاً. وقالت العيون ما في القلوب، ودون أن يشعر الاثنان حضر المأذون الشرعي إلى «القاعة رقم 312»، في الفندق، ليتم عقد قرآن أحمد سالم محمد على السيدة آمال فهد الأطرش. وما إن بدا شهر العسل حتى عادت تحية كاريوكا، لتجد أحمد سالم حبيبها قد أصبح زوجاً شرعياً لأسمهان، فصُعقت من الصدمة، ولم تجد ما تفعله سوى أن صعدت إلى غرفته ثائرة، وتناولت مقصاً مزقت به ملابسه الأنيقة، وغادرت عائدة إلى مصر.
انتقلت أسمهان وأحمد سالم من شقة بحي الزمالك إلى فيلا كبيرة بمنطقة الهرم، بعد أن أقنعها شارل نحاس ويوسف وهبي شريكه أن تتعاقد معه على العمل في فيلم جديد نظير مبلغ 29 ألف جنيه، وهو رقم فلكياً آنذاك لم يسبقها إليه أي من نجوم السينما. وإمعاناً في التعاقد منحها مقدم العقد فيلا ثمنها 3 آلاف جنيه.
تحولت حياة أسمهان مع سالم إلى جحيم، بسبب الشك والغيرة والتهديدات. وفي صباح الخميس 13 يوليو (تموز) 1944، اتصلت أسمهان بصديقتها زهرة رجب، في رأس البر، وأخبرتها بأنها ستحضر عندها اليوم التالي (الجمعة) لتمضي يومين للاستجمام.
في صباح الجمعة، أرسلت سائقها ليحجز لها تذكرة في القطار السريع إلى رأس البر، لكنه لم يجد مكاناً شاغراً، وصممت أن يصحبها إلى رأس البر بالسيارة. بصحبة صديقتها (ماري قلادة). طلبت من السائق أن يسرع حتى لا تشعر بالطريق، حيث ظلت واجمة لا تتحدث مع ماري، واكتفت بالنظر من النافذة طوال الوقت، ولاحظت ماري ذلك فسألتها فيمَ تفكر، وطمأنتها بألا تخاف وتتشاءم فكل شيء سيكون على ما يرام وستنتهي كل المشكلات، وتعود إليها أيامها الجميلة.
ردَّت اسمهان قائلة: «ليس تشاؤماً لكني أشعر بانقباض غريب. أشعر أنها النهاية يا ماري»!
كان السائق وصل بالسيارة إلى كوبري مدينة المنصورة واجتازه، ثم انحرف إلى اليمين في طريقه إلى دمياط ليأخذ بعدها الطريق إلى رأس البر. وبعد عدة كيلومترات قطعها بسرعته جنونية، فوجئ بعدة «مطبات»… لم يستطع التحكم في عجلة القيادة، فانحرفت السيارة بشدة لتهوى في قاع ترعة الساحل، غير أن السائق استطاع أن يقفز من السيارة في لحظة مناسبة، تاركاً أسمهان وصديقتها ماري قلادة لمصيرهما المحتوم، لتموت أسمهان في الحال غرقاً، وتنتهي أسطورة أجمل أميرات جبل الدروز ومطربات عصرها.
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية