أميركا وإسرائيل تكثّفان ضغوطهما: ثلاثة سيناريوات على الطاولة

رفعت إسرائيل مستوى تصعيدها السياسي بموازاة استعداداتها العسكرية، متّبعةً استراتيجية جديدة منسّقة مع الولايات المتحدة تهدف إلى الضغط على حركة «حماس» ودفعها إلى تقديم تنازلات جوهرية. وباتت عناوين هذه الاستراتيجية واضحة: إما استئناف القتال بوتيرة غير مسبوقة، وبتأييد أميركي مفتوح، أو «حل ما» يؤدّي إلى نزع سلاح غزة بالكامل وترحيل قيادات فصائل المقاومة إلى الخارج.
وفي ظل تلك المعادلة المطلوب فرضها، ظهر خيار ثالث قد يكون المراد حالياً، وهو تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار ليبقى سارياً في شهر رمضان بأكمله، على أن تقرّر الحركة بعده خياراتها بموجب المعادلة المذكورة. ويأتي تبلور هذا التوجه بعد تنسيق دقيق بين تل أبيب وواشنطن؛ إذ تزامن الإعلان عنه مع تصريح للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعلن فيه دعمه الكامل لإسرائيل في حال قرّرت العودة إلى الحرب، على رغم إصراره – في الوقت عينه – على تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.
وفي سياق تهيئة المناخ لممارسة المزيد من الضغوط، أعلنت إسرائيل، عدة مرات خلال اليومين الماضيين، عبر مصادر سياسية رفيعة، أنها لن تنسحب من «محور فيلادلفيا» الواقع جنوب قطاع غزة، بل ستُبقيه تحت سيطرتها، وأن هذا المحور «سيكون منطقة عازلة، تماماً كما هو الحال على الحدود بين إسرائيل وسوريا ولبنان»، بحسب ما قاله وزير الأمن، يسرائيل كاتس، أمس. وتحمل هذه التصريحات رسالة تصعيدية تهدف إلى دفع حركة «حماس» نحو ردود فعل غاضبة، تُستغلّ كذريعة لاتهامها بخرق التهدئة، بما يبرّر لإسرائيل استئناف العدوان تحت غطاء أميركي.
ويتفرّع الخيار الإسرائيلي المطروح أمام «حماس»، إلى ثلاثة مسارات رئيسية:
الأول، التفاوض على المرحلة الثانية وفق شروط إسرائيلية واضحة، تتضمّن «ترحيل قيادة حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى دولة ثالثة، وتفكيك الأجنحة العسكرية للفصيلين»، مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة ومحور «فيلادلفيا».
والثاني، استئناف الحرب في حال رفضت «حماس» الاستجابة للمطلب الأول، على أن تكون حرباً أشد فتكاً من سابقتها، مع دعم أميركي غير محدود.
وأما الخيار الثالث، فتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق خلال شهر رمضان، مقابل إطلاق المزيد من الأسرى الإسرائيليين على دفعات، بما يمنح إسرائيل وقتاً إضافياً لاستنزاف ورقة الأسرى، وتقليص تأثيرها على القرارات المستقبلية.
وبحسب المؤشرات الحالية، فإن تل أبيب تفضّل في هذه المرحلة الخيار الثالث، إذ تدرك أن قبول «حماس» بالخيارين الأوّلين، يكاد يكون مستحيلاً. ولذا، فإن تمديد الهدنة، على رغم تنديد الحركة بتراجع إسرائيل عن التزاماتها، يتيح للأخيرة استكمال عمليات تبادل الأسرى وفق شروط جديدة، مع الحفاظ على الضغط المستمرّ لدفع «حماس» نحو تنازلات مستقبلية. وبالنسبة إلى الحركة، فإن إبقاء الأوضاع على ما هي عليه خلال الأسابيع الأربعة المقبلة، يبدو خياراً واقعياً، كونها تفضّل تفادي أي قرارات مصيرية قبل نهاية شهر رمضان، حين يصبح المسار المستقبلي أكثر وضوحاً.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية أن المؤسّسة السياسية في تل أبيب تفضّل الدفع نحو تحرير مزيد من الأسرى الإسرائيليين في إطار المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وفق «مفتاح جديد» يتمّ التفاوض عليه. وهذا ما أشار إليه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بقوله إن الإدارة الأميركية «تدرس مقترحات قد تزيل، ظاهرياً، العقبة الرئيسية في المحادثات»، والتي تتمثّل في مطلب إسرائيل المدعوم أميركياً بألا تبقى «حماس» قوّة حاكمة في غزة، وأن يتمّ نزع سلاحها وإبعاد قياداتها عن القطاع.
وبذلك، تتأجّل القرارات المصيرية في غزة مرة أخرى، ويُرحّل الحسم بين الحرب والتسوية إلى أسابيع إضافية. ووحده اليقين الغائب في المشهد، هو ما يجعل كل السيناريوات ممكنة، لكنّ المؤكّد أن إسرائيل تستغلّ كل لحظة متاحة لفرض مزيد من الوقائع على الأرض، فيما يبقى الفلسطينيون عالقين بين ضغوط الزمن والمفاوضات والتهديدات بالحرب.
صحيفة الاخبار اللبنانية