![](https://greatmiddleeastgate.com/wp-content/uploads/2025/02/Maher-Almamlouk-2-2.jpg)
في عالمٍ تعجُّ فيه الأصوات، وتتنافس الأفكار على الهيمنة، يبقى السؤال الأهم: كيف يصبح الإنسان مؤثرًا؟ كيف تتحول الكلمات إلى قوة قادرة على تغيير العقول وصياغة الواقع؟ أشعر أحيانًا أنني مجرد شخص يسكب حروفه على الورق، دون أن يكون لها صدى أو تأثير.
أتساءل: هل المشكلة في كلماتي أم فيمن يقرؤها؟ أم أن التأثير يتطلب شيئًا أكبر من مجرد الكتابة؟
في هذا الاسترسال ، سأحاول أن أفهم لماذا أكتب دون أن أؤثر، وما الذي يجعل الكلمات بعض الأوقات قادرة على تغيير النفوس وإحداث فرق حقيقي في هذا العالم؟
لماذا نكتب؟ فالكتابة ليست مجرد عملية تسجيل أفكار أو سرد أحداث، بل هي وسيلة للبوح والتواصل والتأثير.
يكتب البعض ليُعبِّروا عن أنفسهم، وآخرون ليغيروا الواقع، وهناك من يكتبون ليتركوا أثرًا يتجاوز حدود الزمان والمكان.
لكن عندما أكتب، أشعر أن كلماتي تذوب في فراغٍ واسع، كأنها لا تجد من يقرؤها، أو أنها تصل دون أن تترك أثرًا في القلوب والعقول. فهل المشكلة في الفكرة نفسها، أم في طريقة تقديمها، أم في التوقيت؟
وهناك اعتقاد شائع بأن الكاتب المؤثر هو كاتب موهوب بالفطرة، يمتلك قدرة سحرية على جذب القرّاء والتأثير فيهم. لكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك، فالتأثير يحتاج إلى ما هو أكثر من الموهبة. إنه مزيج من المهارة، والخبرة، وفهم الجمهور، واختيار الكلمات المناسبة، وتقديم الفكرة بأسلوبٍ جذاب ومقنع.
اسأل نفسي مرارا ً وتكرارا هل أنا أفتقد إلى إحدى هذه العناصر؟ ربما.
وربما يكون السبب أنني لم أصل بعد إلى النقطة التي تجعل كلماتي تحمل ثقلًا كافيًا لتهزّ القارئ أو تغيّر وجهة نظره.
والسؤال هنا ،هل يكفي أن أكون صادقًا؟
يقال إن الكتابة الصادقة تصل إلى القلوب. لكن هل الصدق وحده كافٍ؟ كثيرٌ من الكتّاب والأناس يسكبون مشاعرهم بصدقٍ عميق، لكن لا أحد يلتفت إليهم. في المقابل، هناك من يكتبون بأسلوبٍ ذكيٍّ دون أن يكونوا صادقين تمامًا، ومع ذلك تجد كلماتهم صدى واسعًا.
إذن، يبدو أن الصدق مهم، لكنه يحتاج إلى دعمٍ بأسلوبٍ قوي، ولغةٍ مؤثرة، وقدرة على لمس القارئ في أعماقه، لا مجرد مشاركة المشاعر العادية التي قد تكون مألوفة للجميع.
أما بشأن حاجز الوصول إلى القارئ فلربما مشكلتي ليست في الكلمات نفسها، بل في إيصالها.
وفي عصر الإنترنت، تتزاحم المحتويات بشكل جنوني، وأصبح الوصول إلى القارئ تحديًا حقيقيًا. يمكن أن تكون لديك أفكار مدهشة، لكن إذا لم تصل إلى الجمهور الصحيح، فلن يكون لها تأثير يُذكر.
كيف أجد القارئ الذي يهتم بما أكتب؟ كيف أجعل كلماتي تظهر في بحر من المنشورات والمقالات والتغريدات؟ هل يجب أن أغيّر أسلوبي؟
هل ينبغي أن أتقن فن التسويق للكتابة؟
فمن الضرورة بمكان ان تكون قوة الفكرة مقابلة لقوة الأسلوب وأحيانًا كثيرة تكون الفكرة بحد ذاتها قوية، لكنها تحتاج إلى أسلوبٍ يليق بها كي تصل إلى عقول الناس وقلوبهم. وأحيانًا يكون الأسلوب جذابًا، لكنه يخلو من فكرة جوهرية، فيترك أثرًا سطحيًا وسريع الزوال.
وهناك سائل يسأل ما الذي يجعل المقال أو الكتابة مؤثرة؟
هل هي الفكرة الجريئة؟
أم الأسلوب الساحر؟
أم المزج الذكي بينهما؟
يبدو أن التأثير يتطلب اجتماع الاثنين معًا، فلا تكفي فكرة ثورية إن لم تُعرض بأسلوبٍ قادر على إيصالها بقوة.
وهل التأثير يحتاج إلى شهرة؟ وهل يجب أن أكون مشهورًا حتى أؤثر؟
في عالم اليوم، يبدو أن الشهرة أصبحت عاملاً حاسمًا في إيصال أي فكرة. يمكن أن تكون لديك رؤية عظيمة، لكن إن لم تكن لديك قاعدة جماهيرية، فربما لن يسمعك أحد.
لكن، هل الشهرة هي الهدف؟ بالتأكيد لا. الهدف هو التأثير، لكن يبدو أن الشهرة أصبحت وسيلة ضرورية لتحقيقه. فكيف يصل الكاتب غير المشهور إلى التأثير؟ هل هناك طريق آخر غير الشهرة؟
أحيانًا يكون العائق داخليًا، حيث ينقصني الإيمان بأن كلماتي يمكن أن تغيّر شيئًا. وأحيانًا يكون العائق خارجيًا، حيث لا يجد الناس وقتًا لقراءة ما أكتب، أو لا يمنحون اهتمامًا للأفكار الجديدة.
كيف أتجاوز هذه العقبات؟ هل الحل في الاستمرار رغم كل شيء؟ أم في البحث عن وسائل جديدة للتعبير؟
ربما المشكلة تكمن في أنني أبحث عن التأثير وكأنه غاية، بينما هو في الواقع نتيجة طبيعية لشيء أعمق. ربما ينبغي أن أكتب لأنني أحب الكتابة، لأن لدي شيئًا يستحق أن يُقال، وليس فقط لأنني أريد التأثير في الآخرين.
عندما تكون الكتابة نابعة من شغفٍ حقيقي، وعندما تكون الأفكار صادقة وعميقة، فإن التأثير سيأتي كأثرٍ جانبي لا كهدفٍ رئيسي.
وفي ختام مقالي هذا وفي سؤال لنفسي : هل أستمر في الكتابة؟
والجواب هو بنعم ، وبلا ، ولكنني سوف اعمل قصارى جهدي في ان استمرّ في الكتابة حتى ولو لم يبيقى احد يقرأ لي ما اكتب وحتى لو لم أكن مؤثرًا ولكن سأواصل البحث عن صوتي، وسأجرّب أساليب مختلفة، وسأتعلم كيف أصل إلى الجمهور، وسأحاول أن أجعل كلماتي تحمل معنى أعمق.
ربما لن أكون من الناس والكتّاب الذين يغيرون العالم، لكن يكفي أن تؤثر كلماتي في شخصٍ واحد، أن تجعل قارئًا واحدًا يشعر بشيء مختلف، أن تترك أثرًا ولو صغيرًا. لأن التأثير، في النهاية، ليس مجرد شهرة واسعة، بل قدرة على تغيير ولو جزء بسيط من العالم.
وفي نهاية رسالتي هذه فالعمل بالأمل افضل من الامل بالعمل .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة