أنا لسـت سعـيدا

لكم حيرني هذا السؤال : (( أيهما كان أكثر سعادة في حياته إنسان اليوم أم إنسان العصور الأولى؟))

وأصل حيرتي هو المعنى الحقيقي لمعنى السعادة ، إذ كيف يتفق هذا المعنى مع أحوال الجهل و التشرد و الضياع إلى غيرها من أسماء التخلف في العصور البدائية و كيف لا يكون إنسان اليوم هو الرابح في هذه المقارنة و هو الذي وضع قدميه على سطح القمر و نصب رايته هناك ثم عاد سالما في حين لم يستطع الإنسان القديم أن يبني بيتا يقيه من هجمات وحوش الغاب و لا أن يصعد أكثر من علو الشجرة التي كان يتسلقها حين كان شبيها بالقرود .

و لكن يجب ألا ننسى أن الحرب العالمية الثانية مثلا قصفت أعمار خمسين مليونا من البشر في حين أن أقسى الحروب القديمة لم يتجاوز ضحاياها في الحرب الواحدة المئات أو الألوف أما ملايين الضحايا فلم تعرفها حروب ذلك الزمان فمن هو إذن الأكثر وحشية إنسان الحاضر أم إنسان الماضي ؟ و هل التقدم المذهل في إختراع الآلات و الأجهزة الإلكترونية و الأدوية و التعليم و الإبداع الفني ، هذا التقدم الحضاري الهائل الذي حصل عليه إنسان اليوم . إنسان اليوم يمكن إلغاؤه من حساب التفاضل بين بشر اليوم و بشر أيام زمان ؟

خذوا مثالا بسيطا من حياة الهنود الحمر في الولايات المتحدة الاميركية و كيف قضى الغزاة الأوروبيون عليهم قضاء مبرما و لم يبق منهم سوى نثار من القبائل جمعوها في بعض المحميات – كما حدث في ولاية داكوتا – و قالوا للهنود الباقين على قيد الحياة : هذه الصحراء هي مدينتكم الأن فانغلقوا فيها !.. و عندها وجد الهنود أن لا خلاص لهم إلا بأن يتأمركوا و يلبسوا الجينز و يمارسوا الأعمال التي يمارسها البيض . و حين اكتشفوا النفط في أرضهم تعلموا كيف يستخرجونه و يبيعونه و يكسبوا المال الوفير. و لكن ما كادت حياتهم تتحسن حتى غزا الغرباء أرضهم و راجت معهم تجارة المخدرات و أنواع الإفساد الأخرى فإذا بالمحمية تتحول إلى مباءة للإدمان على الفساد و الإفساد ، هل كان إذن الهنود الحمر أسعد في حياتهم الجديدة من حياتهم التي كانت أنظف و أجمل و أرقى خلقيا مما هم عليه الأن ؟

إن الجواب على كل هذه الأسئلة يتلخص في اتفاقنا على تعريف السعادة أولا .

ما هي السعادة ؟ و حين نصل إلى هذا التعريف سوف تدركون عمق الحيرة التي تخنقني و تأخذ بأعناق الكثيرين من المفكرين.

أنا شخصيا أحد سكان دمشق ، و لا أشعر بالسعادة إطلاقا في هذه الأيام ، و أنتم تعرفون السبب على ما أظن ..فهل توافقوني على ذلك أم لا ؟..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى