أنقرة تستنجد بـ«باتريوت الأطلسي»: رسائل روسيّة بالنار إلى تركيا
على حافّة الهاوية، تواصل تركيا اللعب في تعاملها مع تطوّرات الشمال السوري، آملةً من خلال ذلك دفع روسيا إلى تلبية مطالبها التي كانت قد حدّدت مهلة لها نهاية شباط/ فبراير الجاري. استراتيجيةٌ بلغت ذروة جديدة لها بانخراط أنقرة في دعم هجوم للمسلّحين الموالين لها في محيط سراقب الغربي، بهدف إبعاد الجيش السوري عن الطريق الدولي «M4». لكن هذا التصعيد سرعان ما قوبل بتصعيد روسي مضادّ، تَمثّل في غارات جوية أدت إلى مقتل جنديَّين تركيَّين.
وإذ بدت تركيا، في أعقاب الحادثة، أميل إلى تخفيض لهجتها الكلامية والميدانية على السواء، فقد بدا لافتاً حديثها عن أن الدعم الأميركي لها قد يأتي عبر نشر منظومة «باتريوت» مجدّداً على أراضيها، وهو ما من شأنه إحاطة العلاقات مع روسيا بمزيد من التشويش.
م تتغيّر خريطة خطوط التماس في ريف إدلب الشرقي بعد جولة معارك جديدة شهدها محيط بلدة النيرب، غربي سراقب، وفشلت خلالها الفصائل التي تعمل تحت غطاء قوات الاحتلال التركي المدفعي والصاروخي، في إحداث خرق يُبعدُ قوات الجيش السوري عن الطريق الدولي حلب ــــ اللاذقية، بين بلدتَي سراقب وأريحا. إذ احتوى الجيش الهجوم، وردّ عليه بقصف مدفعي وجوي موسّع، شارك فيه سلاح الجو الروسي، وأسفر (من ضمن حصيلة ميدانية كبيرة) عن مقتل جنديَّين تركيَّين وجرح خمسة آخرين، وفق الأرقام التي تَبنّتها وزارة الدفاع التركية. اللافت ، كان غياب التحذيرات والتهديدات «النارية» التي سبق أن خرجت عن أنقرة، حينما قُتل جنودها سابقاً في إدلب، إذ اكتفى الجانب التركي ببيان وزارة الدفاع، وتأكيد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن «دماء الشهداء لن تذهب هدراً». وركّزت تركيا، في المقابل، على طلب دعم «حلف شمالي الأطلسي» لها، وتحديداً عبر تقديم منظومات «باتريوت» الدفاعية الجوية لها.
خلال المعارك التي دارت ، لم تكتفِ القوات الجوية الروسية بتقديم الدعم عبر استهداف مواقع ونقاط للفصائل التي تديرها أنقرة، بل أصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً اتهمت فيه الجانب التركي بدعم الهجوم الذي شنّته «تنظيمات متطرفة» على مواقع الجيش السوري في بلدة النيرب. كذلك، قال البيان إن هذه ليست المرة الأولى التي يُقدّم فيها الجانب التركي الدعم لمثل هذه التنظيمات، لافتاً بوضوح إلى مشاركة الطائرات الروسية في صدّ الهجوم. يعكس هذا الموقف الروسي المقاربة التي تبنّتها موسكو خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولا سيما عقب التصعيد الإعلامي التركي الواسع الذي ترافق مع هجمات متكرّرة ــــ بطائرات مسيّرة ــــ طاولت قاعدة حميميم الجوية. إذ تضمّن البيان تبنّياً روسياً ضمنياً لعملية عسكرية أسفرت عن مقتل جنود أتراك على الأراضي السورية.
ردّ الفعل التركي لم يكن باللهجة الحادة المعتادة، وهو ما برز عبر تأكيد بيان وزارة الدفاع التركية أن الغارة كانت من قِبَل «النظام السوري»، وأنه جرى الرد عليها على هذا الأساس، في محاولة لنزع فتيل «الاشتباك مع روسيا». كذلك، تحدث جاويش أوغلو عن أن «هناك تقارباً طفيفاً (في المواقف مع موسكو) خلال المفاوضات الأخيرة. ورغم ذلك، لم نحصل بعد على ما نريده».
وأكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بدوره، أن بلاده لا تسعى إلى «مواجهة» مع روسيا في إدلب، مضيفاً في مقابلة مع قناة «CNN Türk» إن المحادثات مستمرة مع الجانب الروسي «على أساس اتفاق سوتشي». وقال إن الرئيس رجب طيب إردوغان «أعطى الأمر وحدّد الهدف، وخططنا المتعدّدة جاهزة… وسيتمّ تنفيذها في الوقت المناسب». ولدى سؤاله عن تأثير الهيمنة الروسية على المجال الجوي فوق شمال غرب سوريا، على خطط تركيا، قال أكار إن بلاده «تسعى إلى استخدام المجال الجوي بطريقة فعالة، ولذلك فالحوار متواصل مع موسكو». وأضاف، عند سؤاله عن الدعم المحتمل أن تقدّمه الولايات المتحدة في هذا الشأن، إن «هناك تهديدات بضربات جوية وصواريخ تستهدف بلدنا (…) وقد يكون هناك دعم (عبر منظومة) باتريوت»، إلا أنه استبعد أيّ مساندة برية من القوات الأميركية.
وكان الرئيس التركي قد طلب من نظيره الأميركي، دونالد ترامب، في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، شراء منظومة صواريخ «باتريوت»، وذلك في أعقاب التوتر الذي خلّفه تسلّم أنقرة الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الجوي الروسية «S-400». وكان «حلف شمالي الأطلسي» ينشر وحدات من منظومة «باتريوت» قرب الحدود التركية السورية بين عامَي 2013 و2015 بناءً على طلب من أنقرة، غير أنه لم يجدّد تفويض نشر تلك المنظومة، والذي انتهى في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2015، وهو ما اعتبرته (حينها) أوساط في أنقرة ورقة ضغط أوروبية عليها. وبحسب البيان التركي ــــ الأميركي المشترك الذي أعلن سحب المنظومة (في 16 آب/ أغسطس 2015)، أكدت الولايات المتحدة استعدادها لإعادة الصواريخ والعناصر المشرفين عليها إلى تركيا خلال أسبوع «في حال اقتضت الضرورة».
صحيفة الاخبار اللبنانية