أوباما، إعرض على إيران صفقة سخية (باتريك كلاوسن)

باتريك كلاوسن*

"هذا المقال هو جزء من سلسلة من المقترحات السياسية للفترة الثانية من ولاية الرئيس الأمريكي بعنوان «أوباما والشرق الأوسط: الفصل الثاني» ، يقدمها زملاء معهد واشنطن."
تتركز المسألة الرئيسية المتعلقة بإيران حول طبيعة عرض التسوية النووية الذي ينبغي اقتراحه. فبينما ينصب معظم التركيز على كيفية تصعيد الضغط على طهران، ينبغي أن يتزامن الترهيب بالعِصي الغليظة مع الترغيب بالجَزَرات الغضّة. ويشكل ذلك تحولاً من استراتيجية الماضي التي تركزت على التدابير المحدودة لبناء الثقة بينما تركت نهاية اللعبة غير واضحة. فلم يرض القادة الإيرانيون ولا الرأي العام — في إيران أو في جميع أنحاء العالم — بالمُحفزات المتواضعة جداً التي عُرضت على طهران أثناء محادثات بغداد في 2012. لكن العرض "المجدد" الذي يقال أن القوى الكبرى المعروفة بـ [الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا، والولايات المتحدة) + ألمانيا] قد توافقت عليه ليس أكثر سخاءً بكثير من سابقه. ولا عجب أن كان رد الفعل: لماذا يجب على إيران أن توافق على صفقة إن كان ذلك فقط هو كل ما تحصل عليه؟
لقد أصرت إيران على أن تحظى بامتيازَيْن في أي صفقة ألا وهما: تخفيف العقوبات وتخصيب اليورانيوم. ويغلب الظن بأن يتم التوصل إلى اتفاق حال معالجة هاتين المسألتين من خلال تقديم عرض سخي. ومن المستغرب، أن تخفيف العقوبات قد يكون أصعب كثيراً من تخصيب اليورانيوم. وقد كانت الممارسة الأمريكية والأوروبية، من بورما إلى زيمبابوي، مستقرة على متابعة تخفيف العقوبات تدريجياً مع الإصرار على الحصول على دليل دامغ على الالتزام بالتغيير قبل عرض أي مكافآت. وسيكون ذلك بكل تأكيد أمراً طبيعياً مع إيران، نظراً لسجل الجمهورية الإسلامية السيئ في تطبيقها للاتفاقات السابقة وسرعة تعليق العمل بها.
وفوق كل ذلك، تأتي توقعات الإيرانيين بشأن تخفيف العقوبات بحيث لا تمت للواقع بصِلة. فالاقتصاد الإيراني يواجه صعوبات بالغة، ويعود ذلك في المقام الأول إلى سياسات الحكومة الشعبوية الفاسدة، مثل زيادة الإصدار النقدي ليصل إلى 80 في المائة في الوقت الذي بلغ فيه معدل نمو الإنتاج 6 في المائة ثم يتعجب المرء حين يصل الأمر جراء ذلك إلى تضخم جامح. ويتوقع العامة وجمهور النخبة على حد سواء أن تخفيف العقوبات سوف يكون وصفة سحرية للقضاء على كافة المشاكل الاقتصادية –في حين يعكس الواقع بأن أثرها سوف يكون متواضعاً ما دام الفساد مستشرياً، وأن تسلُط الدولة يعمل على إعاقة الأعمال، وأن المدح والثناء يكون من نصيب الأشخاص أصحاب العلاقات السياسية الجيدة وليس من لديهم خطط أعمال جيدة. وباختصار، لا يبدو أن إيران ستحصل على المزيد من تخفيف العقوبات في مرحلة مبكرة، ومن المرجح أن يشعر الإيرانيون بأنهم لم يحصلوا على المزايا التي توقعوها من أي صفقة — مما لا يُبشر بالخير بالنسبة لالتزام إيران بأي صفقة.
وبالنسبة لموضوع التخصيب، ظل الموقف الأمريكي لفترة طويلة أكثر ليونة مما تم فهمه بدرجة كافية. ففي عام 2011، أخبرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب» الأمريكي بما يلي: "لقد كان موقفنا أنه من حق إيران في وقت ما في المستقبل، وفقاً لشروط بالغة الصرامة، أن تقوم [بتخصيب] اليورانيوم تحت إشراف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» حال تبديدها لمخاوف المجتمع الدولي وإغلاقها لبرنامج الأسلحة النووية الخاص بها دون رجعة". ووفقاً لذلك يمكن القول نعم، قد تقبل الولايات المتحدة بتخصيب إيران لليورانيوم.
في الواقع، اتبعت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا حيلة قديمة لإحياء المحادثات المعلقة، ألا وهي: تغيير الموضوع. لقد كان دائماً وقف تخصيب إيران لليورانيوم وسيلة لتحقيق الغاية — وليس الغاية في حد ذاتها — فيما كان الهدف هو دفع إيران بعيداً عن أن تكون قادرة على امتلاك أسلحة نووية. ومنذ اقتراح عام 2011 حول "مفاعل طهران البحثي" أصبحت معالم الصفقة أكثر وضوحاً: فإذا كانت إيران مستعدة لقبول شحن أي كمية مخصبة من اليورانيوم خارج البلاد بمجرد تصنيعها، فمثل هذه الخطوة من شأنها أن تتجاوب مع الأهداف الغربية بشكل مثير للجدل على غرار ما إذا قامت إيران بتدمير وحدات الطرد المركزي مع احتفاظها بالمعرفة والمرافق لإنشاء وحدات طرد مركزي كلما ترغب بذلك.
الخطأ الأكبر الذي قد يُرتكب في التوصل إلى اتفاق مع إيران هو التكيف مع طموحات إيران الإقليمية. يتعين على الدول الخمس + 1 أن تبين للجميع أن أي اتفاق مع الجمهورية الإسلامية لا يمكنه تغيير رفض هذه الدول القاطع لمعارضة إيران الحادة لوجود إسرائيل، مثلما هو واضح من مليارات الدولارات والأسلحة التي ظلت إيران تقدمها عبر عقود لأي مجموعة مُدربة مستعدة لقتل المدنيين الإسرائيليين. كما أن أي عرض يقدم لإيران سوف يثير مخاوف حلفاء الولايات المتحدة العرب بنفس قدر إثارته لمخاوف إسرائيل لدرجة قد يعجب منها الكثير من الأمريكيين. فلا تزال الدول الملكية في الخليج قلقة من صفقة محتملة تحافظ على أهمية إيران الإقليمية وتستعيد التعاون الأمريكي- الإيراني على حساب دول الخليج، مما يعيد إلى الأذهان العلاقة الأمريكية مع الشاه — تلك العلاقة التي ترى هذه الدول الملكية أنها أضرت بمصالحها إلى حد بعيد.
إن تقديم عرض سخي ينطوي على العديد من المخاطر. وأحدها هو موافقة إيران من حيث المبدأ ثم تباطؤها في الوقت الذي تواصل فيه برنامجها النووي، وهذا هو السبب وراء ضرورة تقيُّد أي عرض بتحقيق تقدم سريع وإن شمل ذلك على الأقل إيقاف عقارب الساعة النووية الإيرانية. وهناك خطر آخر يتمثل بأن تضمن إيران الحصول على بعض التنازلات ثم تطالب بتنازلات أخرى مع عدم استعدادها لتقديم أي شيء في المقابل، بحيث تسفر النتيجة عن ضعف موقف المساومة لدى مجموعة الدول الخمس + 1 في الوقت الذي لا يُقدم فيه سوى القليل — إن كان هناك ما يُقدم أصلاً — لجعل إيران أكثر استعداداً لقبول أي اتفاق.
ورغم ذلك تتمثل الخطورة الأكبر في احتمال رفض إيران للعرض وهو ما سيكون بمثابة خديعة للولايات المتحدة. وفي حال ما كان رد الفعل هو استمرار واشنطن في مسارها دون حصول تقدم واضح فإن ذلك يعني من الناحية العملية أن الولايات المتحدة قبلت ضمنياً بسعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي على الرغم من تعهد الرئيس أوباما القاطع، الذي حصل على دعم قوي من قبل الكونغرس والحزب الجمهوري، بعدم قبول تلك النتيجة بأي حال. فواقع إلزام الأمة الأمريكية بمسار ما، ثم رفض المضي فيه حتى نهايته سوف يؤدي إلى تآكل مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال، في شمال شرق آسيا وأوروبا الشرقية. بالإضافة إلى ذلك إن عدم اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات من شأنه أن يشجع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط على التعامل مع المشكلة بأنفسهم: بالنسبة لإسرائيل، ضرب إيران، وبالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة العرب، تطوير قدرات نووية خاصة بها.
وفيما يتعلق بالمأزق النووي الإيراني، لقد صرح أوباما مراراً وتكراراً بأن "هناك نافذة من الوقت لتسوية هذا الأمر بالطرق الدبلوماسية بيد أن تلك النافذة قد قاربت على الإغلاق." ينبغي على الولايات المتحدة أن تقدم عرضاً أكثر سخاءً لكي تجرّب إن كانت إيران مستعدة للمساعدة في فتح نافذة التسوية أو أنها سترخي السدال عليها. إذا كانت إيران غير مكترثة بعرض سخي فينبغي على الولايات المتحدة — جنباً إلى جنب مع أكبر عدد من الشركاء الدوليين الذين باستطاعتها حشدهم — عندئذ أن تنتقل إلى اتخاذ إجراء أكثر حسماً، سواء كان ذلك سرياً أو علنياً، أُعلن على الملأ أو كان قابلاً للرفض.

*مدير الأبحاث في معهد واشنطن.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى