«أوبك» تقرّ سياسة الإنتاج الجديدة: «تسوية» تمرّر زيادة معتدلة
«بوسع كل من السعودية وإيران أن تُظهر أنها فازت». هذا ما يستنتجه أحد مندوبي «أوبك» من اجتماع فيينا أمس حول تعديل سياسة الإنتاج، في إشارة إلى طبيعة الاتفاق الذي تم التوصل إليه. فقد نجحت اتصالات ربع الساعة الأخير في التوصل إلى تسوية في شأن مشروع زيادة الإنتاج النفطي، بين مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا من خارج المنظمة.
لم يمرّ المشروع كما سوّقت له السعودية بزيادة مرتفعة للإنتاج، وهو ما لم يقنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يقف خلف المساعي السعودية – الإماراتية لتعديل سياسة «أوبك» الإنتاجية، ما دفع بترامب إلى المسارعة في كتابة تغريدة بعد أقل من ساعة من إعلان الاتفاق الجديد، قال فيها: «آمل بأن تزيد أوبك الإنتاج في شكل كبير. نحتاج إلى الإبقاء على الأسعار منخفضة!». تغريدة بدت واضحة في تأكيدها حجم المتابعة الأميركية لمساعي تعديل سياسة الإنتاج، وتأكيد وقوف واشنطن خلف المشروع، والضغط على حلفائها في «أوبك» لتحقيق انخفاض الأسعار من جهة، وتعويم قرار الحظر ضد إيران بما يؤمن تعويض النقص في الأسواق.
هذه الدوافع الأميركية وراء الحماسة لتمرير المشروع، كانت نفسها دوافع طهران لمعارضته حداً بلغ التلويح باستخدام حق النقض، وهو ما لم يحصل بعدما أوصلت الاتصالات، ومنها لقاء عشية اجتماع فيينا حضره الإيرانيون والروس والسعوديون، إلى نوع من التسوية. وفي اختتام اجتماع أمس، خرج وزير النفط الإيراني، بجين زنغنة، ليؤكد أن قرار تغيير السياسة الإنتاجية حظي بتأييد طهران.
وكشف الوزير الإيراني أن التسوية التي تم التوصل إليها تطابق المقترح الإيراني لتجنب زيادة كبيرة في الإنتاج، موضحاً أن ما تم التوصل إليه ليس أرقاماً محددة بل «حذف التعهد بخفض أكثر من 100 في المئة من السوق»، أي أن يصل حجم التزام الدول بخفض إنتاج النفط إلى 100 في المئة، بعدما كان يتجاوز الالتزام حاجز الـ100 في المئة في بعض الأحيان. وبحسب بيان «أوبك»، فإن منتجي المنظمة اتفقوا على العودة إلى الامتثال الكامل لتخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها، من دون ذكر تفاصيل الأرقام والحصص وفق ما أشار إليه وزير النفط النيجيري.
ولا يزال المراقبون يواجهون صعوبة في ترجمة الاتفاق إلى لغة الأرقام، إلا أن القراءة الأولية تشير إلى احتمال أن يحقق إطار العمل الجديد زيادة بنحو مليون برميل يومياً، أي قرابة واحد في المئة من الإمدادات العالمية، وهو ما أكده وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح. لكن عملياً، لا يبدو أن المنتجين سيصلون إلى زيادة فعلية تصل إلى الزيادة المقرة، وذلك لاعتبارات عدة من بينها أن بعض الدول عانت تراجعات في الإنتاج، وستجد صعوبة في الوصول إلى حصصها كاملة، كما أن بعض الدول لا تملك القدرة على رفع الإنتاج.
وبالتالي، يتوقع بعض الخبراء أن تتراوح الزيادة بين 460 ألف برميل و770 ألفاً يومياً. وأشار الوزير الفالح إلى أن غالبية المنتجين أوصوا بأن تكون الزيادة في شكل تدريجي، وعلى أساس تناسبي وفقاً للحصص المقررة. وبحسب وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، فإنه «كمجموعة (أوبك)، نستطيع تحقيق امتثال بنسبة مئة في المئة. كدول منفردة، هذا صعب».
وتدخل تعديلات الإنتاج التي أقرها الإتفاق الجديد حيز التنفيذ ابتداءً من الأول من تموز/ يوليو المقبل، على أن تسري السياسة الإنتاجية في النصف الثاني من العام الحالي، في انتظار ما يقرره اجتماع المنظمة المقبل والذي حُدِّد موعده في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر نهاية العام.
ويُعدّ الاتفاق الجديد أقل من توقعات السعودية التي سبق أن روج وزيرها، خالد الفالح، لزيادة بمعدل 1.8 مليون برميل، قبل الاتفاق مع روسيا على زيادة بمعدل 1.5 مليون برميل. والاتفاق الجديد لا ينسف سياسة تخفيض الإنتاج السابقة التي أقرتها «أوبك» مع الدول المنتجة من خارج المنظمة من أجل تفادي انهيار الأسعار، إذ بلغ تخفيض الإنتاج وفق الاتفاق السابق 1.8 مليون برميل يومياً.
ومع أن الزيادة المقرة لا تصل إلى أرقام كبيرة، ولا تبدو أنها أشبعت رغبات كبار المستوردين، وأبرزهم الولايات المتحدة، إلا أنها شكلت أول تحول في سياسة خفض الإنتاج التي أعقبت انهيار أسعار النفط عام 2015، وفتحت الأسواق على احتمالات تقلبات جديدة في الأسعار، يتوقع الخبراء أن تكون بوادرها تأثيراً مباشراً على سعر البرميل. لكن الأسواق خيبت أمس التوقعات بزيادة بلغت معدل 2 في المئة.
صحيفة الأخبار اللبنانية