‘أوبن إيه آي’ تقتحم ساحة تطبيقات الدردشة في تحول استراتيجي

الشركة الأميركية تطلق ميزة الدردشات الجماعية عالمياً في “تشات جي بي تي”، متيحةً لـ 20 مستخدماً التعاون في محادثة واحدة يديرها الذكاء الاصطناعي بذكاء سياقي دون استخدام الذاكرة الشخصية.
أعلنت شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، الرائدة في مجال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يوم الجمعة، عن الإطلاق العالمي لميزة “الدردشات الجماعية” (Group Chats) عبر منصتها الشهيرة “تشات جي بي تي” (ChatGPT). وتأتي هذه الخطوة الاستراتيجية، التي تتيح لما يصل إلى 20 مستخدماً التفاعل معاً في محادثة واحدة بمشاركة الذكاء الاصطناعي، في إطار مساعي الشركة لتحويل برنامج الدردشة الآلي من مجرد مساعد شخصي فردي إلى منصة تعاونية تفاعلية تنافس في سوق أدوات الإنتاجية والتواصل الاجتماعي.
وجاء هذا الإعلان عقب فترة اختبار تجريبي أجرتها الشركة الأسبوع الماضي في أسواق محددة شملت اليابان، نيوزيلندا، كوريا الجنوبية، وتايوان. وقالت الشركة إن “ردود الفعل الإيجابية القوية” التي تلقتها من المستخدمين خلال المرحلة التجريبية كانت الحافز الرئيسي لتسريع وتيرة الطرح العالمي للميزة لجميع المشتركين، سواء في الخطط المجانية أو الاشتراكات المدفوعة مثل “Plus” و”Pro”.
تحول نحو الذكاء الاصطناعي التعاوني
يمثل دمج الذكاء الاصطناعي في المحادثات الجماعية تحولاً نوعياً في كيفية تفاعل البشر مع الآلات. ووفقاً لبيان الشركة، تعتمد الميزة الجديدة على نموذج “جي بي تي-5.1 أوتو” (GPT-5.1 Auto) المتطور، والذي تم تصميمه بخصائص سلوكية محددة لبيئة المجموعات. وأوضحت الشركة أن النموذج تم تدريبه “ليستمع أولاً” قبل المشاركة، مما يتيح له متابعة سياق الحديث والتدخل فقط عندما يكون ذلك مفيداً، أو عند الإشارة إليه بشكل مباشر من قبل أحد المشاركين.
ويرى محللون في قطاع التكنولوجيا أن هذه الخطوة تمثل محاولة من “أوبن إيه آي” لاختراق مساحات العمل الجماعي والتنسيق الاجتماعي، وهي مجالات كانت تهيمن عليها سابقاً تطبيقات المراسلة التقليدية وأدوات إدارة العمل. ومن خلال السماح للذكاء الاصطناعي بلعب دور “الوسيط” أو “ميسر المعلومات” في النقاشات—بدءاً من تسوية الخلافات الودية بالحقائق ووصولاً إلى التخطيط اللوجستي للرحلات والمشاريع—تضع الشركة منتجها في قلب التفاعلات البشرية اليومية.
بروتوكولات الخصوصية والأمان
وفي ظل التدقيق المتزايد من قبل الجهات التنظيمية والمستخدمين حول خصوصية البيانات، أكدت “أوبن إيه آي” أن الدردشات الجماعية صُممت بضوابط صارمة لفصل البيانات. وأشارت الشركة إلى أن الميزة لا تتفاعل مع “الذاكرة الشخصية” (Personal Memory) الخاصة بكل مستخدم على حدة؛ بمعنى أن الذكاء الاصطناعي في المجموعة لن يكشف عن تفضيلات أو معلومات خاصة تعلمها من المحادثات الفردية للمشاركين، كما أنه لن يقوم بتخزين معلومات من الدردشة الجماعية لتكوين “ذكريات” طويلة الأمد، مما يعالج مخاوف محتملة تتعلق بتسرب البيانات الشخصية في بيئة جماعية.
وعلى صعيد سلامة القاصرين، قدمت الشركة ميزة أمان تلقائية “ديناميكية”. ففي حال انضمام مستخدم قاصر إلى أي مجموعة دردشة، يتحول النظام بأكمله تلقائياً إلى وضع “تحت الـ 18 عاماً”، مما يفرض فلاتر محتوى أكثر صرامة على جميع المشاركين ونواتج الذكاء الاصطناعي داخل تلك المحادثة المحددة. وتمنح هذه الميزة الآباء خياراً إضافياً لتعطيل الدردشات الجماعية كلياً عبر أدوات الرقابة الأبوية.
المنافسة في سوق مزدحم
يأتي هذا التحديث في وقت تشهد فيه سوق الذكاء الاصطناعي منافسة محتدمة. فبينما تدمج “مايكروسوفت” (Microsoft)، الداعم الرئيسي لـ “أوبن إيه آي”، مساعدها “كوباليت” (Copilot) في تطبيقات “تيمز” (Teams) الموجهة للشركات، وتسعى “جوجل” (Google) لتعزيز قدرات “جيمناي” (Gemini) في حزمة تطبيقاتها المكتبية، تحاول “أوبن إيه آي” عبر هذه الميزة الوصول إلى شريحة أوسع من المستخدمين العاديين والمجموعات غير الرسمية، وليس فقط بيئات العمل المؤسسية.
وتشمل الميزات التقنية الإضافية التي تم دمجها القدرة على إنشاء صور مخصصة باستخدام الإشارات إلى صور الملفات الشخصية للأعضاء، ودعم البحث المباشر عبر الويب داخل المجموعة، مما يجعل “تشات جي بي تي” مركزاً للمعلومات الفورية للمجموعات.
وقد بدأ طرح الميزة تدريجياً للمستخدمين حول العالم اعتباراً من صباح الجمعة، حيث يمكن للمستخدمين الوصول إليها عبر أيقونة “الأشخاص” الجديدة في واجهة التطبيق، والتي تتيح إنشاء روابط دعوة قابلة للمشاركة. ولم تفصح الشركة عن أرقام محددة للتكلفة التشغيلية المتوقعة لهذه الميزة، خاصة وأن معالجة سياقات المحادثات الجماعية المتعددة الأطراف تتطلب قوة حوسبة أعلى مقارنة بالمحادثات الفردية.
واختتمت الشركة بيانها بالتأكيد على أن هذه الميزة هي جزء من سلسلة تحديثات تهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي “أكثر فائدة واجتماعية”، وسط توقعات بأن تعيد هذه الخطوة تشكيل معايير تطبيقات المراسلة الفورية في المستقبل القريب.
ميدل إيست أونلاين



