أوراق
“أسوأ ما في الحرب… ميدالياتها”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنويه: وجدت هذه الشكوى في أرشيفي الخاص بحرب تشرين، مكتوبة عام 2006.
بمناسبة مرور حوالي نصف قرن على هذه الحرب، لدي رغبة بنشرها. تحية على تلك الأيام. كل المراسلين الحربيين (بين قوسين) الذين دعاهم اتحاد الصحفيين السوريين لتكريمهم وتوزيع الأوسمة عليهم ( بين قوسين أيضاً)… كلّهم (بمن فيهم المجند رئيس الاتحاد)… يعرفون أنني واحد من هؤلاء
المراسلين و… أكثر!
ورغم ورود اسمي في لائحة التكريم لم أتلقَ أي دعوة. ولم أعلم بالمناسبة إلا بعد أن تفاخرت جريدة الجرائد بهذا النشاط، ونشرته في خبر موسع، والذي يُفهم منه حضور الجميع واستلام الجميع لميدالياتهم (لا أعرف ما هي).
لفت نظري أن من بين المكرّمين مَن لم يعرف الجبهة ( ربما حتى الآن) ولم يزرها، حتى زيارة، إلا بعد وقف إطلاق النار، لمرافقة وفد إعلامي أجنبي أو لتوزيع جريدة “المعركة” التي أصدرتها الإدارة السياسية طيلة أيام الحرب، أو لإجراء مقابلات الأجوبة الإنشائية مسبقة الصنع.
لا يعني هذا انتقاصاً من شجاعة أحد ولا رغبتة في الاشتراك هذه المهمة الخطرة والجليلة. بل، ببساطة، هكذا كانت الترتيبات. ومن بين هذه الترتيبات أنني عُيّنتُ مراسلاً حربياً للفرقة السابعة. وقد وصلت إلى الجبهة، قبل ساعة الصفر، بساعتين. ( وكانت ساعة الصفر سراً حتى على بعض التشكيلات). وهناك انتظرنا، ورأينا، وعشنا تجربة القذيفة الأولى والجحيم الأول. ثم بقينا في الجبهة طوال المعارك، حتى توقفها في 22 تشرين أول 1973 .
المهم… هذه المناسبة هي الوحيدة، التي كلما مرّ يوم 6 تشرين، أصاب بنوع من الحسرة الميدانية. أنظر، من مسافة 32 سنة إلى تلك الأيام… إلى، ما كان وما لم يكن. إلى فرصة عمر “وطنية” قد لا تتكرر. إلى هؤلاء الذين عرفتهم أحياء وموتى. إلى الذين قابلتهم في الخطوط الأمامية وعلى أكتافهم نجمة واحدة وأصبحوا بنجوم ونسور وسيوف ومتقاعدين. وإلى، أيضاً، حالتنا، نحن العرب، المتأرجحين بين نصف نصر ونصف هزيمة.
أنا لا تهمني التكريمات. ولا تعنيني الميداليات، لا تكبراً أو زهداً، بل لأنني أعتقد أن أحداً لا يستحق ذلك إلا إذا كان استثنائياً في حقله وإنجازه وفعله، وعندما يغدو تأثيره ذاكرة حقيقية للناس… أو شظايا ذاكرة، لمن بقي في رأسه عقل.
لكنني في هذه المناسبة كنت أود أن تُوجّه لي الدعوة. وكنت سأفرح بين هؤلاء الزملاء الذين أعرفهم جيداً. ولأنها لم تُوجّه وحضر الجميع ما عداي… فإن سؤال “لماذا؟” لا أوجهه إلى أحد، فثمة إهمال بذيء في كل شيء.
وأنا… أعرف الجواب!!
وثمة خاتمة سيئة وهي موت عبد الله مقداد في هجوم المسلحين على مدينة عدرا العمالية، وهو الصديق المتفرغ في اتحاد الصحفيين وخازن الاحتفال، وقد طلب مني عدة مرات المرور لاستلام ميداليتي، وقلت له وزعها إلى أحد غيري.
دمشق 18/ 11/ 2006