أوراق الأسد في مرحلة التسويات (عباس ضاهر)

 

عباس ضاهر

تشبه الأيام الجارية في دمشق أشهر السنة الأولى من الأزمة. التجول بين شوارعها وحاراتها طبيعي وخصوصاً بعد إنجاز "المصالحة" في المعضمية ثم برزة، والتحضير يجري لإتمام تسوية شبيهة في القابون. تلك المناطق تحيط بدمشق وتشكل صلة الوصل بينها وبين ريف العاصمة، ما يعني أن الدولة تشكل تدريجياً "حزام أمان" لدمشق وتبعد مخاطر قذائف الهاون التي كانت الوسيلة الوحيدة للمجموعات المسلحة في إرسال النار إلى قلب العاصمة السورية.  ما يميّز الأيام الجارية  في الشام عن الأشهر الاولى للأزمة هو انتشار الحواجز عند كلّ مدخل و شارع.
تعب السوريون من تداعيات الأزمة، لكنّهم في المقابل إعتادوا على تفاصيلها. ينقسمون في التحليل السياسي الحاضر في كلّ مكان حول أهمية مؤتمر "جنيف 2". لكن مطّلعين منهم يجزمون بأن الوقت بات يلعب لمصلحة النظام: "يستطيع الجيش أن يستمرّ في خوض الحرب ثلاث سنواتٍ إضافية"، يقولون إنّ المعارضة تحتاج لنتائج "جنيف 2" أكثر مما يحتاجها الرئيس بشار الاسد.
يفصّل هؤلاء في مسار الازمة وكيفية الحلول إستناداً إلى تجارب تاريخية ووقائع حالية، "فالأوراق تتكاثر في يدي الاسد".
صارت المستجدات الدولية والإقليمية حاضرة أكثر في مقاربة أيّ تفصيل داخلي خصوصا بعد الاتفاق الأميركي – الروسي، لكنهم يتحدثون أيضاً عن أهمية ما يحصل ميدانيا. يرون في طرح خطة أمنية لحلب "ضربة معلم" تُسجل في خانة "حنكة الدولة"، كصورة طبق الاصل عما جرى في مناطق ريف العاصمة.
عندما تسأل هؤلاء السوريين عن سر ثقتهم بما هو آتٍ، يبادرون بالسؤال: "ألم تشاهد ما يجري؟" المواطنون تواقون لوقف الحرب، أعداد كثيرة من " الجيش الحر" يسلمون أنفسهم يومياً للدولة لتسوية أوضاعهم. أيقظ الصراع الذي حصل بين "داعش" و "الجبهة الاسلامية" السوريين على حقائق خطيرة. دفع السوريون أنفسهم ثمن التطرف الوافد والمقيم في بعض المناطق الريفية خصوصاً في الشمال.
يشيرون إلى محطات أساسية ويذكّرون بالحملة التي وُجهت ضد الجيش منذ بدأت الأزمة، لكن تبين بعدها أن بقاء المؤسسة العسكرية ضمانة لسوريا. الغرب نفسه يتحدث اليوم عن أهمية المحافظة على مؤسسات الدولة السورية بعدما كان المطلوب ضرب كل تلك المؤسسات.
صوّبوا سابقاً على كل المقربين من الرئيس السوري ونظموا الحملات الإعلامية ضدهم، كما حصل مثلا مع  رامي مخلوف -قريب الأسد – "كرجل أعمال من ضمن أركان النظام"، لكن اولئك المقربين مضوا في مهامهم وباتت طوابير السوريين تُرصد يومياً أمام مؤسسات "جمعية البستان" التي يديرها مخلوف لتعطي دلالة واضحة لدى هؤلاء عمن وقف بجانبهم – هم يتحدثون عن ذلك-. يتواجد يومياً أمام مراكز الجمعية مواطنون نازحون ومحتاجون، بعضهم ينتمي الى مناطق كانت خرجت تتظاهر ضد النظام في بداية الازمة وكانت تتدرج حينها بشعارات إسقاط قانون الطوارئ وثم النظام وطلب الاعدام، لكن المسألة تبدلت الى حد النقيض عند هؤلاء. عادوا الى "حضن الشرعية" وصاروا يفضلون بقاء النظام الذي لم يتراجع في التزاماته المالية الشهرية تجاههم، في وقت كانت تتكون عصابات النهب والخطف تحت شعار "الثورة" و "الجيش الحر" وكتائب تتنافس في اطلاق الاسماء الاسلامية.  اليوم تتردد عبارات الشكر لمخلوف على ألسنة مواطنين سوريين. هنا الشكر موصول عندهم للأسد بالطبع. هذه ليست مسألة عادية، تلك عينة ونموذج عن الانقلاب في المشهد السوري بين بداية الازمة ومستجداتها اليوم على المستوى الشعبي.  
أيضاً سقطت محاولات ضرب الليرة السورية بفعل التدخلات المالية لرجال الأعمال المنحازين للدولة أو المقربين من النظام.
لم يعد هناك رغبة لدى السوريين المحسوبين على المعارضة في الخروج بتظاهرات كما حصل سابقا. غابت الشعارات كلياً و تلاشت الحملات.
يسأل هؤلاء المطّلعون: أليست تلك من ضمن عوامل قوة الاسد؟ "عندما يرى الرئيس السوري ان الحملات التي شُنّت على نظامه عبر محاولات ضرب الجيش و الاقتصاد وأركان دولته والنظام والإيحاء بعدم تمثيله شعبياً… كلها سقطت عملياً، إضافة الى اتجاهات الوقائع الميدانية التي سارت بعكس ما تشتهيه المعارضة و فشل مشاريع ضرب سوريا عسكرياً من الخارج، أليست كلّ هذه العوامل ترفع من سقف الأسد في أيّ مؤتمرات ومفاوضات؟" من هنا فإن ترشح الاسد للانتخابات الرئاسية المقبلة محسومٌ بالنسبة الى دمشق وهي تثق بأنه سينال أصوات الأكثرية  الشعبية. يقول هؤلاء المطّلعون أنفسهم إن الرئيس السوري لمس حجم المتغيرات التي كان ينتظر حصولها منذ البداية من تطورات الداخل إلى مستجدات الخارج: إنسحبت قطر من وحول سوريا تدريجياً وتتبعها تدريجياً تركيا.. جاءت "الثورة التصحيحية" في مصر تبعد جماعة "الإخوان المسلمين" عن الحكم وتعيد العسكر الى السلطة. بات موقف الأميركيين واضحاً وصاروا يطالبون بوقف إطلاق النار كما قال وزير خارجيتهم جون كيري في باريس. أُنجزت التسوية النووية بين الغرب وإيران، ودخل رفع العقوبات عن طهران حيز التنفيذ.
لكن هل يعني ذلك أننا أصبحنا في عصر التسويات؟
يدرك السوريون أن المرحلة حساسة طالما أن الأميركيين يستعجلون التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يجهد كيري لإنجاز إتفاق ينهي القضية الفلسطينية. تراهن واشنطن على إبعاد عرقلة ايران بعدما شلت القدرة السورية في المسألة الفلسطينية وشغلت "حزب الله" بأزمات أخرى سياسية وميدانية. يعرف السوريون أن موافقتهم على تلك التسوية المطروحة لفلسطين  ستنهي الصراع في بلادهم، بينما غض النظر عنها يُبقي الازمة قائمة بحدود أضعف، فيما عرقلتها تعني إشتداد الأزمة من جديد الى حدود تسليح نوعي للمعارضين.
لعبة الأمم حطت في تقسيم الثروات الطبيعية، ومن ضمن الاتفاق الروسي الأميركي الجديد جاء قرار إستثمار الروس لآبار الغاز والنفط في شمال الاراضي المحتلة، ما يضمن أمن اسرائيل على الحدود الشمالية، بإعتبار الروس حلفاء المحور المعادي لتل ابيب. هنا يبرز انحياز روسيا أيضاً لصالح أمن اسرائيل ضمن خريطة مصالحها.
حتى شهر حزيران ستدور مشاريع التسويات. في الشهر الخامس موعدٌ مبدئي حدده الأميركيون لحل فلسطيني – إسرائيلي. وفي الشهر السادس تنجز الدول نقل وتدمير "السلاح الكيميائي".
لكن ماذا عن مؤتمر "جنيف 2"؟
يرجح المطلعون أن المؤتمر سيولّد مؤتمرات ولجاناً بالجملة، ومن هنا فإن الرهان والمصلحة عند السلطة السورية هو في الإنجازات الميدانية ولو استغرقت أوقاتاً إضافية. فهي قد تدعم "الجبهة الاسلامية" ضد "داعش" في بعض المناطق و تدعم "داعش" ضد "الجبهة" في مناطق اخرى، وفي الوقت نفسه تجري مصالحات حيث يتواجد "الجيش الحر" او خطط أمنية كما طرحت في حلب. انها لعبة السياسة والميدان، فكيف إذا كانت مدعومة سياسياً من دول عظمى كروسيا وعسكرياً بمعدات ومقاتلات متطورة جديدة وصلت حديثاً الى الجيش السوري من موسكو؟

الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى