فن و ثقافة

أوسكار ٢٠٢٥: «لا أرض أخرى» سوى فلسطين

أوسكار ٢٠٢٥: «لا أرض أخرى» سوى فلسطين… «عاشت السينما المستقلة»، بهذا الإعلان أنهى شون بيكر خطاب قبوله الرابع في ظهوره الرابع على خشبة مسرح «دولبي» في هوليوود لجمع تمثاله الرابع عن فيلمه «أنورا»، الفائز الكبير في النسخة السابعة والتسعين من جوائز الأوسكار.

فوز بيكر بجائزة أفضل سيناريو أصلي، وأفضل مونتاج، وأفضل مخرج، وأفضل ممثلة لمايكي ماديسون، وأفضل فيلم، يعد إنجازاً تاريخياً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الفيلم بدأ بستة ترشيحات فقط، لينهي بالفوز بخمسة.

 

إذاً، فاز «أنورا» بأهم الجوائز، ومخرجه بيكر الذي لا يهتم بالدراسات أو الخوارزميات أو منصات البث أو الاتجاهات السائدة. «أنورا» أحدث مثال على فيلموغرافيا مصمّمة لبناء عالمها الخاص بدون إملاء آخر سوى إرادة الإبداع والإيمان. انتصر بيكر على برادلي كوربيت وفيلمه «الوحشي»، الذي حصد ثلاث جوائز منها أفضل ممثل لأدريان برودي، وأفضل موسيقى، وأفضل تصوير سينمائي.

وبينما كانت الدموع تنهمر على وجهها، أعلنت زوي سالدانا أنها «طفلة فخورة لأبوين مهاجرين»، كما أشارت إلى أنّها «أول أميركية من أصل دومينيكي تقبل جائزة الأوسكار، وأعلم أنني لن أكون الأخيرة». فوز أوسكار سالدانا كممثلة مساعدة، جاء عن دورها في فيلم «إيميليا بيريز»، الخاسر الأكبر في تلك الليلة، خصوصاً بعد الهجوم الكبير الذي تعرضت له بطلة الفيلم كارلا صوفيا غاسكون ومنشوراتها العنصرية.

ومن بين الفائزين الرئيسيين الآخرين، حصد «أنا ما زلت هنا» للمخرج البرازيلي والتر سالاس جائزة أفضل فيلم دولي، وهو دراما عائلية حقيقية تدور أحداثها أثناء الدكتاتورية العسكرية في البرازيل، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تفوز فيها البرازيل بهذه الجائزة.

كانت جوائز الأوسكار لعام 2025، الأكثر استقلاليةً وتوزيعاً، ولم تكن سياسية على الإطلاق، لكن كانت لها لحظاتها المثيرة والسياسية. لم يكن هناك أي ذكر لا على المنصة أو على السجادة الحمراء للرئيس ترامب، الذي لم يتوقف عن انتقاد الأكاديمية منذ فجر التاريخ. ولم تكن هناك سوى إشارة واحدة إلى أوكرانيا من قبل الممثلة داريل هانا.

لكن دبّوس «فلسطين حرة» الذي وضعه على صدره الممثل غاي بيرس المرشح لجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم «الوحشي»، كان ناصعاً، تماماً كبياض جائزة أفضل وثائقي الذي حصدها فيلم «لا أرض أخرى» من إخراج رباعي يتكوّن من الثنائي الفلسطيني باسل عدرا، وحمدان بلال، والثنائي الإسرائيلي يوفال إبراهام وراحيل تسور، اللذين ينتميان إلى التيار المناهض للاستعمار الصهيوني وتُعرف عنهما أنشطتهما الداعمة للقضية الفلسطينية.

وكان الفيلم قد أثار ضجةً كبيرة خلال عرضه السنة الماضية في «مهرجان برلين»، إذ وصفته وسائل الاعلام الإسرائيلية بأنّ «هوليوود تثبت مجدداً أنها اختارت الوقوف إلى جانب الطرف الآخر». في أحد مشاهد «لا أرض أخرى»، يطلب أحد المخرجين الأربعة، الإذن من أحد سكّان مسافر يطا في محافظة الجليل جنوب الضفة الغربية، السماح له بتصوير عملية الإخلاء العنيفة التي تقوم بها القوات الإسرائيلي التي كان ضحيةً لها.

يجيب الفلسطيني بـ «نعم»، لكنه يسأل الشاب الذي صوّره: «هل يهتم أحد بكل هذا؟». إذا كان هناك انتصار واحد حققه الفيلم، فهو أنّ الكثير من الناس اليوم سيعرفون ما يحدث في مسافر يطا، التي عانت منذ عام 2019 من عمليات إخلاء عنيفة من قبل الاحتلال، مع آلات ثقيلة لهدم المنازل المتواضعة للسكان الذين عاشوا في تلك المنطقة على مدى أجيال.

على مدى أربع سنوات (من 2019 إلى نهاية 2023)، صوّر المخرجون الحياة اليومية في هذا المجتمع الريفي الصغير من الرعاة الفلسطينيين، بعد صدور قرار من «المحكمة العليا» الإسرائيلية، بممارسة التطهير العرقي وطرد السكان البالغ عددهم 1000 نسمة، وهدم منازلهم واستخدام الأرض للتدريبات العسكرية (سيتم الكشف في الفيلم عن النية الحقيقية للإخلاء لاحقاً، عندما ظهر المستوطنون المسلحون وتم بناء المستوطنات).

باستخدام هاتف خليوي، سجّل باسل الفظائع التي ترتكبها القوات الإسرائيلية، عندما تصل الجرافات لهدم المنازل والمدارس وحتى ملعب الأطفال، آخر معقل للون في مكان لا يوجد فيه سوى التراب والأنقاض. عندما يحالفهم الحظ، يستطيع الناس إخراج أمتعتهم، وعندما لا يحالفهم، يتعين عليهم النفاذ بحياتهم، بينما تطلق قوات الاحتلال النار من مسافة قريبة. «هذه أوامر»، تلك الكلمة السحرية التي تبرر همجيتهم.

فيلم «لا أرض أخرى» صرخة يائسة من الغضب والألم بحثاً عن بعض العدالة. وعلى الرغم من فوز الفيلم في «برلين» وأول من أمس في الأوسكار، لا يزال هناك من لا يهتم أو يخضع للوبيات الضغط، إذ لم يجد الفيلم حتى اليوم موزعاً في أميركا، ولا حتى على إحدى منصات البث العديدة!

بعد شكر الأكاديمية والجمهور على دعمهم للفيلم خلال تسلّم الجائزة، استذكر باسل عدرا شعبه قائلاً: «قبل شهرين، أصبحت أباً وأمنيتي لابنتي أن لا تعيش الحياة نفسها التي أعيشها الآن، حيث الخوف الدائم من تدمير منازلنا أو الاضطرار إلى الانتقال».

وتابع: «يعكس الفيلم الواقع القاسي الذي نعاني منه منذ عقود وما زلنا نقاومه، ندعو العالم إلى اتخاذ إجراءات جدية لوقف الظلم ووقف التطهير العرقي للشعب الفلسطيني». ورغم أنّه أدان السابع من أكتوبر، إلا أنّ الصحافي يوفال إبراهام حمّل الولايات المتحدة مسؤولية هذا الظلم اللاحق بالفلسطينيين، داعياً إلى دولة واحدة يتساوى فيها الجميع ووضع حد للنظام الاستعماري الاسرائيلي.

صحيفة الأخبار اللبنانية

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى