
من أخذ أوكرانيا إلى ألاسكا؟ ولماذا؟ وما المتوقع من هذه القمة؟؟ وما القصة التي أوصلتنا إلى هناك؟؟ وما المعاني المطلوب تكريسها من وراء اختيار ألاسكا؟؟ ومن هو وما هو “القدر المبين”؟!!
قبل حوالي الأسبوعين أنذر ترامب بوتين. هدده بعقوبات كارثية إن لم يوقف الحرب في أوكرانيا. وانتهت مدة الإنذار يوم الثامن من الشهر الجاري. ومع حلول هذا الموعد وبدلا من العقوبات أعلن البيت الأبيض عن قمة ستعقد بين ترامب وبوتين في الاسكا. بدل العقوبات دعي بوتين إلى أمريكا للتفاوض، وفوق الدعوة نال مسبقا هدية من الرئيس الأمريكي على شكل تنازل عن بعض الأراضي الأوكرانية له. والأحلى بل الأنكى أن ترامب تنازل عن هذه الأراضي دون أي تشاور مع الحكومة الاوكرانية صاحبة الأرض والقضية. كل ما جرى يؤكد بالفعل أن لهجة ترامب بالتعامل مع الرئيس الروسي تقوم على التهديد القوي أولا ثم ارسال مبعوثين للتفاوض معه، ثم تقديم الهدايا الثمينة لبوتين.!
القمة ستعقد يوم الجمعة القادم في الاسكا بدون الرئيس الأوكراني زيلينسكي. وبدون الأوروبيين. وكلاهما يتوجس خيفة من نتائج للمفاوضات تكافئ المعتدي بوتين، وتشجعه على إعادة الاعتداء والاستيلاء على أرض أوروبية أخرى. وهناك من يرى أن بوتين حقق مكسبا دبلوماسيا كبيرا بتحويل الإنذار الأمريكي بالعقوبات الى دعوة له لزيارة أمريكا والتفاوض مع حصوله على دفعة تشجيعيه مقدمة تشمل أراضي شرق أوكرانيا !!
من جهته يحقق ترامب تكريسا لأفكاره السياسية باختياره ألاسكا مكاناً للقمة. ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا في العام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار (تقدر بسعر اليوم ب 166مليون دولار). وهذا تذكير وتكريس لفكرة إمكانية شراء أراضي أوطان أخرى بالمال. من جهة أخرى فإن القيصر الروسي باع ألاسكا لأمريكا ليحرم بريطانيا من الاستيلاء عليها. أي أنها كانت عملية وصفقة روسية أمريكية لإبعاد أوروبا عن التأثير الإستراتيجي. وهذا ما يجري اليوم عبر إبعاد ترامب وبوتين لأوروبا عن مفاوضات تخصهم وتتعلق بأمنهم. والأهم في كل ذلك أن التذكير بألاسكا يعيد إلى الأذهان عقيدة “القدر المبين” الأمريكية التي بررت شراء أميركا لأراضي الأوطان الأخرى. وهي العقيدة الدينية الفكرية التي تقول أن أمريكا “أمة رسالة” ولها الحق في التوسع لنشر رسالتها، وتحقيق مصالحها. وهذه العقيدة الفكرية تحولت إلى عقيدة سياسية عسكرية تمارسها اليوم أمريكا بالقوة، ويمثلها ترامب الذي يستخدم سلاح التجارة والتعرفة الجمركية والعقوبات، وصولا إلى استخدام القوة العسكرية. بالمناسبة هذه العقيدة مستلهمة من البروستانتية التي ترى في الأمة الأمريكية “شعب الله المختار”. تماما كما يتوهم الصهاينة في أنفسهم. ولا نعرف كم استفادت الصهيونية من هذه العقيدة، أو كم حملت وتحمل هذه العقيدة من روح صهيونية أبادت سكان أمريكا الأصليين، كما تبيد إسرائيل الشعب الفلسطيني في غزة هذه الأيام.
العالم ينتظر يوم الجمعة القادم. والأنظار متجهة إلى ألاسكا. هل سيستجيب بوتين لنداء ترامب ويوقف الحرب؟؟ وهل ستقبل أوكرانيا بما يقدمه ترامب من اراضيها مكافأة لبوتين؟؟ وما سيكون عليه الحال الأوروبي إذا خرج بوتين فائزا من هذه المفاوضات؟؟؟ وإلى أي حد سيستمر ترامب بالتصرف كإله يملك الدنيا والأوطان والشعوب باعتباره ممثل “الشعب المختار” المسمى القوة الأمريكية العظمى؟؟ والمصيبة الأكبر أن ترامب يتصرف بناء على اعتقاده أنه هو القدر المبين وأميركا العظمى سلاحه لإخضاع العالم.
يبدو أن وراء ألاسكا معاني أفظع من “القدر المبين” الأميركي. سنرى!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة