تحليلات سياسيةسلايد

أوكرانيا: كيف ستتصرّف الصين في حال نشوب نزاع؟

تستمرّ التحذيرات الأميركية للصين من مغبة مساعدة روسيا على غزوها أوكرانيا، عبر تقديم المساعدات إليها، في حال تعرُّضها لعقوبات شاملة وقاسية، أو تأمين أسواق بديلة لروسيا في حال خسر الروس القدرة على الاتصال بالأسواق العالمية بسبب العقوبات الأميركية، أو إن تمّ إخراجها من نظام سويفت للتعامل المالي.

وكانت الصين انضمّت إلى روسيا بشأن رفض توسع حلف شمال الأطلسي، الناتو، في خطوة تدلّ على مزيد من التقارب بين البلدين في مواجهة الضغط الغربي، وذلك عبر بيان مشترك تمّ إصداره خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصين عند افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.

وعلى الرغم من تركيز إدارة بايدن على التحدي الصيني للهيمنة الأميركية، وعلى القلق الأميركي من تصاعد نفوذ الصين العالمي، فإن الازمة في أوكرانيا طغت على كل ما عداها من اهتمامات، وتحوّل الخطر الروسي اليوم الى الخطر الأول، بعد أن كان في مرتبة أدنى بالنسبة إلى الأميركيين، على اعتبار أن “روسيا دولة اقليمية وليست عالمية”، كما ادّعى باراك أوباما يوماً واستثار غضب الروس.

واليوم، تأتي الأزمة الأوكرانية لتُفيد الصينيين من عدّة نواحٍ، وذلك على الشكل التالي:

1-  لطالما أكّد الأميركيون أن هناك 3 مناطق استراتيجية مهمة لهم في العالم، هي – بالإضافة الى أميركا اللاتينية التي تُعَدّ حديقتهم الخلفية – أوروبا، جنوبي شرقي آسيا، والشرق الأوسط. لذلك، فإن أي توتر في أيّ من هذه المناطق، سيشغل الأميركيين عن “الانخراط التام” في المناطق الأخرى.

2- إن قدرة روسيا على تحدي حلف الناتو وإبعاده عن جوارها الاقليمي ومجالها الحيوي، سيكون سابقة مفيدة للصين لتطالب الولايات المتحدة، في وقت لاحق، بالابتعاد عن مجالها الحيوي في آسيا، وتقوم بتهديدها في حال لم تفعل.

3-  إن إشغال الروس للولايات المتحدة الأميركية، سيسمح للصين بزيادة قدرتها ونفوذها العالميَّين، وسيسمح لها بوقت إضافي من أجل ترسيخ أُسس مشروع “طريق الحرير الجديد”. وذلك بالضبط ما فعله الروس خلال الحرب السورية.

بانخراطهم في الحرب السورية، ودعم صمود الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه، أفشل الروس مشروع باراك أوباما، “التوجه نحو آسيا”، والذي كان يقضي بقيام ترتيبات في الشرق الأوسط، وسَحب الجيش الأميركي من الشرق الأوسط وتوجيهه نحو بحر الصين الجنوبي من أجل احتواء الصين. إن إشغال الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، واضطرار أوباما الى إعادة الجيش الأميركي الى الشرق الأوسط، تحت عنوان “مكافحة داعش” عام 2014، سمحا للصينيين بتوسيع مشروعهم التنموي الكبير، والذي يهدف الى زيادة توسعهم العالمي.

لمعرفة التفكير الصيني الاستراتيجي، لا يمكن إلاّ أن نعود إلى مفهوم “التنمية السلمية” المستمَدّ من أفكار السياسي الصيني، زو إنلاي  Zhou Enlai ، الذي كان وزير خارجية الصين في عهد ماوتسي تونغ، والذي أسس مبدأ “التعايش السلمي”.

تؤكد الدراسات التاريخية أن الدبلوماسي Zhou Enlai  هو مؤلف المبادئ الخمسة للتعايش السلمي (الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية للدول، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي).

واستمرّ دينغ شياو بينغ في سياسة زو إنلاي، لكنه أضاف إليها فكرة “إخفاء القدرات الذاتية والاستمرار في إظهار عدم القدرة low profile. وهو مبدأ بدأ الرئيس الصيني مؤخراً الابتعادَ عنه.

تقوم سياسة دينغ شياو بينغ، والمستمرة الى حدٍّ ما لغاية يومنا هذا، على ما يلي:

–      أَبدِ ملاحظات لطيفة. لا تَكُن فجاً.

–      كرّس موقعك وثبته.

–      تعامل بهدوء مع المسائل.

–      اخفِ قدراتك، واعرف أن كل شيء في أوانه.

–       كن جيداً في إظهار الحد الأدنى من القدرات.

–       لا تحاولْ استلام القيادة من الآخرين.

–       اصنع فارقاً.

ووفق هذا الأساس، قامت الاستراتيجية الكبرى الصينية على مبادئ الدفاع عن السلامة الإقليمية الصينية، وإعادة توحيد الصين، وحل النزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى اتّباع سياسة مكافحة الهيمنة، والمحافظة على بيئة دولية مؤاتية للنموّ الاقتصادي في الصين، وتجنّب خلق تصوّر يفيد بأن الصين تشكل تهديداً للأمن الدولي. في النهاية، الهدف هو، كما يبدو، الارتقاء إلى مستوى القوة العظمى في العالم، لكن بهدوء ومن دون استثارة الآخرين، وكل شيء في أوانه.

وهكذا، سيستفيد الصينيون من انشغال الأميركيين بأوروبا بدلاً من التوجه الى آسيا والانخراط في احتواء الصين بصورة كاملة. إن استخدام الولايات المتحدة الأميركية مبدأَ “الاحتواء المزدوج” سيكون أقل تأثيراً في الصين من اعتماد الاحتواء للصين، كما حدث مع الاتحاد السوفياتي في أيام الحرب الباردة.

وعليه، وكما فعل الصينيون في أعقاب العقوبات الأميركية على روسيا بعد “ضمها القرم”، بحيث قامت الصين باستثمار ما يقارب 600 مليار دولار في الاقتصاد الروسي، سيكون للصين دور أكبر اليوم في مساعدة روسيا في أزمتها مع الناتو في أوكرانيا، وذلك عبر ضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد الروسي، وعبر شراء كل ما لا يتاح للروس بيعه في السوق العالمية، كما عبر استخدام العملتين المحليتين للبلدين، وسيكون ذلك ضربة إضافية للدولار الأميركي في حال تمّ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية والذي سيشكّل ضربة للاقتصادات الغربية، ككل.

الميادين نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى