تحليلات سياسيةسلايد

أولويات المشهد السوري وتحدياته.. قليل من التأني في زمن الغموض

أمجد إسماعيل الآغا

أولويات المشهد السوري وتحدياته.. قليل من التأني في زمن الغموض… الأيام العشرة التي أعقبت سقوط نظام الأسد كانت كفيلة ببروز التحديات والألغام السياسية والإجتماعية والتي يُخشى إنفجارها مع الخطوات التالية.

 تستدعي مقاربة الحدث السوري بعناوينه ومشاهده الجديدة والمتقلبة، القليل من التأني في قراءة مؤشرات المرحلة القادمة ما بعد سقوط الأسد، وإن سلمنّا بأن سوريا وما حدث بها أعاد الكثيرين إلى سردية الربيع العربي وما حدث في ليبيا ومصر وغيرها من الدول العربية، لكن تجارب تلك الدول ينبغي أن تكون مُحرضاً للكثيرين حيال أن الربيع قد تتغير معطياته وقراءاته ويتحول إلى شتاء يضع التحديات أمام التحولات السريعة، والمسألة ليست بالأمنيات أنه ثمة مسار مشرق ينتظر سوريا والسوريين، بقدر ما أن الحدث السوري والعناوين التي استحضرها بطرق مفاجئة ومدوية، تحكمه تساؤلات كثيرة وسيلاً من الهواجس وهذه لا تقتصر على طبيعة ما حدث في سوريا فحسب، لكن ما بعد السقوط ثمة إنصباب على خيارات الحاضر وطموحات المستقبل، وهذا كفيلاً بنقل غالبية السوريين من مرحلة الخوف التي كانت سائدة في حُكم الأسد، إلى مرحلة القلق والترقب، ويُخشى في ذلك أن يبقى مؤطراً لعناوين المستقبل القريب على الأقل.

بعد سقوط الأسد برزت تساؤلات جمّة لدى “العُقلاء من السوريين”. هي تساؤلات جيء بها عنوة جراء الحدث والسقوط، لتحكمها قائمة طويلة من الإستفسارات حيال خلفيات حُكام سوريا الجُدد وأهدافهم ومشاريعهم وخططهم في ما يتعلق بالكثير من المسائل المُلحة، والأمر لا يُمكن أن يستدعي التفاؤل إن إتخذنا من تصريحات إدارة العمليات سياق مستقبلي، خاصة أن تلك التصريحات لا تتعدى ضرورة المرحلة الحالية لتمكين أسس الحُكم، في حين أن الواقع يفرض تحديات على الحُكام الجُدد لابد من الإسراع في ضبط ما تفرزه بعض المناطق في سوريا تصفيات و”حوادث فردية”، وهذا مدعاة إلى الرصد والمتابعة والتأني أيضاً طالما أن الغموض لا يزال هو الحاكم الفعلي لسقوط الأسد وما بعده، وكذا لحُكام سوريا الجُدد وتوجهاتهم الحقيقية.

يُروى أن أديب الشيشكلي وبعد انقلابه وإمساكه بزمام الأمور في دمشق، دعا ضباطه للعشاء في بيته، وبعد العشاء سأله أحدهم ما خطته للعمل بعد أن تولى السلطة فأجابه الشيشكلي “أوف والله هاي ما فكرت فيها”. ما قاله الشيشكلي حقيقةً يتماهى جُملة وتفصيلاً مع واقع الحال الجديد في سوريا، خاصة أن غالبية الإنقلابات والثورات وليس تعميماً قد يكون تفكير قادتها لا يتعدى الوصول إلى السلطة وربما الإستئثار بها طويلاً، والخشية أن يكون الحدث السوري في وضع شبيه لِما سبق، لكن لا يمكن إنكار بأن سوريا تحكمها تعقيدات بسبب الإرث الكبير الذي تركه نظام الأسد الشمولي، ومنطلقات بعثية أحكمت سيطرتها على مدى عقود وأوغلت في المؤسسات وحتى في نفوس السوريين.

وحريّ بنا كسوريين وحريّ أيضاً بالحُكام الجُدد أن نضع الوقائع في نصابها الصحيح، والبحث عن وسيلة تُعيد الحياة في سوريا إلى سياقها الطبيعي والمنطقي، بعد أن قام الأسد “الأب والأبن” وبعثه بأدلجة المجتمع السوري وتغيير قوانين الدولة يما يخدم هذه الأدلجة، وبهذا لم يعد المجتمع السوري طبيعياً خاصة أن آل الأسد والبعثيين طوروا السياسات والاقتصاد والإعلام ومؤسسات الجيش والأمن وحتى التعليم والصحة وفق منطلقاتهم النظرية الخاصة. نتيجة لذلك فإن ستين عاماً من الأدلجة وتطبيق السياسات التي تخدم نظام البعث وتحكم السوريين بقوانين خاصة؛ كل هذا خلق لدى غالبية السوريين تصورات خاصة ونظرات محدودة تُجاه الدولة والمجتمع. لكن السوريين باتوا في واقع مغاير للسنوات الستين التي مضت، وبصرف النظر عن الحُكام الجُدد وإنتماءاتهم الدينية أو توجهاتهم السياسية إلا أن السوريين مطالبون بتطوير أنماط تفكيرهم وسلوكهم وتعاملهم مع بعضهم البعض.

في القراءات المنطقية للحدث السوري ثمة بالتوافق أن تاريخ سوريا الحديث بدأ بعد سقوط النظام في عشرة أيام. هي عشرة أيام أعقبت عقوداً من حُكم آل الأسد وبعثهم، لكن الأيام العشرة كانت كفيلة ببروز التحديات والألغام السياسية والإجتماعية والتي يُخشى إنفجارها مع الخطوات التالية، كما أن إرتدادات سقوط النظام ستخلق بلا ريب خارطة جديدة من التحالفات والإصطفافات بمستوياتها الإقليمية والدولية، وهذا ينسحب أيضاً على مستوى العلاقات بين الدول ومنظورها للواقع السوري الجديد، خاصة أن هناك دول خرجت قسراً من سوريا، وتحاول إستغلال سرعة الحدث وفجائيته وأن تُطل مجدداً برأسها والعبث بألغام الإنتقال إلى سوريا الجديدة، وهذا يفرض تحدياً على السوريين بمختلف إنتماءاتهم وطوائفهم لتعزيز فرص الإنتقال إلى مرحلة الإستقرار السياسي، وإبطال اي مفاعيل قد تُعرقل مآلات الحدث في سوريا.

في العمق فإن السوريين اليوم مطالبون ببناء توافقات وطنية ووضع تصورات حقيقية للإنتقال إلى سوريا الجديدة، خاصة أن الواقع الجديد تحكمه أهداف وقواعد قد تتجاوز الشأن السوري، ومن المغالطات التي يمكن أن تؤدي إلى تعقيد المشهد السوري، هو تجاهل أن بعض الحُكام الجُدد في سوريا ينحدرون من انتماءات ومرجعيات قد تتصادم مع غالبية السوريين. فالقادمون إلى سوريا لديهم تجارب خاصة قد لا تتفق والمزاج العام في سوريا، ومن المهم القول بأن تجاهل هذه التجارب أو إسقاطها من المشهد السوري عنوةً، سيكون له عواقب وخيمة قد تُعيدنا إلى زمن فوضى البعث وإقصاءاته للكثيرين. فسوريا لا تُحكم عبر طائفة أو مذهب، وهذه الحقيقة الوحيدة التي يجب أن ينطلق منها السوريون كافة.

ثمة حالة تُهيمن على السوريين وتحكم توجهاتهم. هي حالة يمكن وصفها بانعدام اليقين رغم مظاهر الفرح وإمتلاء الساحات إحتفالاً بسقوط الأسد، خاصة أن سوريا اليوم لا تواجه تحديات التغيير فحسب، بل ثمة جهات داخلية وخارجية تتربص بالسوريين وترى في حالة اللاإستقرار مصلحة عليا لها. بهذا المعنى فإنه من الضروري إنجاز دستور سوري جامع لكل السوريين بمكوناتهم وكياناتهم، والقول بأن هناك قاعدة شعبية كبيرة تحتفي بالنظام الجديد، وثمة إقرار إقليمي ودولي بالحُكام الجُدد، قد لا يتسق وما يريده السوريين عموماً، إذ أن ما يهم هو الإنتقال السياسي والحد من إرتدادات سقوط الأسد، وبناء سوريا يريدها السوريين تناسب تطلعاتهم، لا سوريا على مقاس دول إقليمية أو دولية!

ميدل إيست أونلاين

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى