أيمن زيدان يُضحك الناس على رأس المال والسلطات والإرهاب!!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة:
يدخل الفنان السوري أيمن زيدان إلى خشبة المسرح في آخر العرض، فينضم إلى الممثلين وهم ينحنون أمام الجمهور، الذي يصفق طويلا للبهجة التي أدخلها العرض المسرحي إلى نفس كل واحد فيه، ثم يخرج أيمن سريعا، وكأنه يخجل من هذه الأيادي التي صنعت موجة التصفيق في عصر صار التصفيق مصطلحا سياسيا مكروها !
لم يكن الفنان أيمن زيدان بحاجة إلى مغامرة مسرحية، ليصفق له الناس، لكنه بدا سعيدا، وهو يرى السوريين يتدفقون تحت القذائف التي انهالت على دمشق ذلك المساء، لمتابعة مسرحيته الساحرة “اختطاف”، فسمعته على هذا الصعيد جيدة، لأنه قدّم مجموعة من أجمل عروض المسرح السوري، وسجل فيها عددا مهما من إخراجه، من بينها :
• مسرحية “رحلة حنظلة” في العام 1988 عن نص للكاتب الراحل سعد الله ونوس وكانت من بين عروض المسرح الجوال،
•مسرحية “فضيحة في الميناء” 1990 من تأليف “كارلو جولدونى”
•مسرحية “سيدى الجنرال” 2005 من إعداد محمود الجعفوري عن نص “العائلة توت” للكاتب الهنغاري “أسطفان أوركيني”
•فضيحة في الميناء.
•دائرة الطباشير القوقازية .
• مسرحية “سوبر ماركت” من تأليف الكاتب الإيطالي “داريو فو” وقدمت على نسختين الأولى 1992 والثانية برؤية جديدة في العام 2008، وقد دفعه غرامه بداريوفو إلى الشغل مع محمود الجعفوري على مسرحية “اختطاف” الأخيرة ..
أما عن أعماله التلفزيونية، فهي كثيرة ، ومميزة وصاحبت رحلته الفنية التي جعلته من نجوم الفن السوري، وبطلا من أبطال الروائع التلفزيونية للدراما السورية في أوج إنتاجها الفني!
يطرح العرض الأخير ” اختطاف” الذي اقتبسه عن مسرحية لداريوفو، أحداثا اختطف من خلالها الجمهور من أجواء مأساوية من الحرب والقذائف إلى أجواء الكوميديا الجميلة، التي تسخر من كل سلطات الإرهاب والمال والاستخبارات دفعة واحدة، فيكشفها ويضعها أمام المرآة لتبدو على حقيقتها في ضعفها وقوتها، وفي سطوتها واستسلامها..
ما الذي تضيفه هذه المسرحية إلى أعماله المسرحية والتلفزيونية الكثيرة ، والتي يبدو المسرح فيها مثار اعتزازه، إنها تضيف محاولة جادة لمعالجة موضوع يلامس الواقع الراهن من زاوية النشاط الارهابي في الحرب السورية وتداخله مع الفساد الذي يأكل جسد المجتمع ومؤسساته، لكن القصة مستوحاة من إرهاب المافيا الإيطالية، وفي ذلك محاولة لإبعاد الأعين عن كل محاولات التسلل إلى الواقع السوري..
حدث ذلك منذ دقائق العرض الأولى، التي استخدم فيها الشاشات للإيحاء لنا أن ما يحدث هو من حولنا، وعبر محطات كثيرة نسمع عنها الخبر، وكلها تبث بشكل يوحي أننا في العصر الحالي..
وفي تلك الشاشات نسمع خبر عملية اختطاف يرتكبها الإرهاب في إيطاليا ، ثم نكتشف أن ثمة حادثا مروريا يؤدي إلى كارثة مرورية يختلط فيها البرجوازي صاحب مصانع السيارات مع العامل الذي أنقذه وألبسه سترته ..
إن مفتاح الأحداث التالية هو الاختلاط بين شخصية العامل والبرجوازي ، التي تتوالد عنها كل مفارقات السخرية التي أضحكت الجمهور على العري الكامل لسلطات المال والإرهاب والأجهزة التي تقوم بأدوار القمع والتضليل !
وفي المسرحية يقوم بالأدوار ممثلون شباب، أعطاهم أيمن زيدان مساحة واسعة لتقديم أنفسهم لجمهور المسرح كأبطال ، وهو جمهور سأم الشاشة الصغيرة ولعبة الكاميرا في إثارة السحر في إيقاع الحدث الدرامي الذي صار يذهب إلى الابتذال والسوق والجسد ..
غطى أيمن زيدان وجوه الممثلين بأقنعة، وحركهم أحيانا بين الجمهور، واستخدم مجسمات أرادها أن تكون أبطالا في نهاية العمل، وكما قلنا في بداية العرض كانت الشاشات تبث الأخبار العاجلة لتوحي بالحاضر..
والحاضر في وجدان الناس مفهوم، والإشارات سهلة، لكن من السطحية أن نقرأ مثل هذه المهارات الاعتيادية على أنها في جوهر البناء المسرحي والرؤية الاخراجية التي شاهدناها والتي بناها في سحره الآسر على كوميديا ديارتي ..
لقد قدم الممثلون أنفسهم ببراعة، وكشفوا الأقنعة في نهاية المسرحية، وكأنهم يقولون للناس إن كل شيء ستعرفونه ، وصفق الناس لهم طويلا، ثم خرج الجمهور بسعادة وهدوء قبل أن تواجههم أصوات سيارات الإسعاف وهي تتجه لنقل المصابين من المارة الذين سقطوا تلك الأمسية في شوارع دمشق نتيجة قذائف الهاون الكثيفة!