أين يقع المشروع السياسي العراقي؟

كان هناك مشروع أميركي في العراق. بدأ بالغزو العسكري وتجسد من خلال احتلال مباشر استمر لسنوات. ألا يزال ذلك المشروع قائما؟ مفرداته صنعت مقومات وشروط ما صار يُسمى في العراق بالعملية السياسية التي تدار من قبل الطاقم الذي اختارته سلطة الاحتلال الاميركي لإدارة البلاد، وهو مستمر في مهمته من غير أن يكون في حاجة لحماية اميركية مباشرة، في ظل استقوائه بالمشروع الايراني الذي وجد الطريق أمامه سالكة، بعد أن سلمت سلطة الاحتلال الحكم إلى أحزاب طائفية عراقية تدار من طهران.

المشروعان الاميركي والايراني يلتقيان في نقاط جوهرية عديدة، في مقدمتها عدم الرغبة في رؤية عراق قوي، تنهض فيه دولة على انقاض الدولة التي تم تهديمها، بعد أن تم نخرها بالحصار الاقتصادي لأكثر من عقد من الزمن. ومنها أيضا قطع صلة العراق بجسده العربي وتغريبه بين الطوائف والقوميات، وصولا إلى انجاز ما اصطلح عليه بدولة المكونات وهو ما نص عليه الدستور العراقي.

وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد نجحت في تدمير البنية التحتية للعراق بشكل كامل وتحطيم الاسس التي يقوم عليها الكيان السياسي الموحد فان ايران نجحت في بناء حواجز عالية تفصل بين العراق وبين محيطه العربي، لا يقوى أحد على القفز عليها، بل لا يفكر أحد في القيام بذلك.

وهكذا يتكامل المشروعان الاميركي والايراني في صيغة مركبة، يكون العراق من خلالها بلدا هشا، قابلا للتفكك في أية لحظة، فاقدا لهويته العربية، غير قادر على احتواء مواطنيه، حيث حل الولاء للطائفة أو العرق محل مبدأ المواطنة.

لقد انتهت العشر سنوات الأولى من عمر العراق الجديد، وهو الذي نتج كما يفترض عن تلاقح المشروعين الاميركي والايراني، بفضيحة الهزيمة أمام فلول عصابة مكونة من مجموعة من قطاع طرق ليقع ما يعادل ثلث مساحة العراق في قبضة داعش.

أكان ذلك الحدث المأساوي نكسة للمشروعين أم علامة نجاح في اختبار التفوق؟

مَن تفوق على مَن؟

هناك مَن يقول إن الولايات المتحدة كانت قد سلمت العراق إلى ايران، بعد أن تأكد لها فشل مشروعها. هكذا بكل بساطة يتم الحكم على المشروع الاميركي بالفشل وهو الذي انهى دولة محطما بنيتها التحتية وآفاق نهوضها في المستقبل وأدى إلى ازهاق أرواح مئات الالاف من العراقيين ووضع العراقيين على طريق لا تقود إلا إلى حرب طائفية مفتوحة، بعد أن اجبرهم على الخضوع لنظام حكم يقوم على المحاصصة.

ربما يقال إن الولايات المتحدة بعد أن تاكد لها أن مشروعها صار بمثابة دستور حياة ناقصة في العراق سمحت لإيران في البدء بتنفيذ مشروعها القائم على محو الهوية العربية للعراق وعزله عن محيطه العربي.

غير أن الدستور العراقي الذي وضع بإشراف أميركي لا ينص صراحة على عروبة العراق، بل أن ذلك الدستور استبعد أن تكون اللغة العربية لغة رسمية وحيدة للبلاد. وهو ما يعني أن الاجندة الايرانية لا تخرج كثيرا عن مفردات المعجم الاميركي الخاص بالعراق.

في ظل هذا التكامل بين مشروعين استعماريين وضعا العراق على طاولة التشريح يخرج علينا بين حين وآخر مَن يتحدث عن مشروع عراقي. ترى أين يقع ذلك المشروع؟

ربما في منظومة الفساد الاداري والمالي التي جعلت العراق يتربع على رأس قائمة الدول التي ينخرها الفساد. ربما في رعاية الميليشيات المسلحة من قبل الدولة والاحزاب المشاركة في الهيمنة على مصائر البشر، وهو ما نتج عنه لجوء الحكومة في حماية نفسها إلى تلك الميليشيات والتفكير في انشاء ميليشيا كبيرة تحت مسمى الحرس الوطني، يكون بديلا للجيش الذي تبخرت قطعاته.

ما يجب الاعتراف به الآن أن العراقيين لا يملكون مشروعا سياسيا خاصا بهم، بل هم يوهمون أنفسهم بالتنقل بين مشروعين خارجيين، هما في الحقيقة مشروع متكامل، كان انتصار داعش واحدة من ابرز مظاهر نجاحه.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى