أيها النهر…انتظرني

“ليس شاعراً من غادر نعومة أظفاره”
___________________________________________

أفقت من نوم سوري عسير، وأنا أرددهذه الأبيات من قصيدة طفولية:

أيها النهر لا تسر وانتظرني لأتبعك
أنا أخبرت والدي أنني ذاهب معك
فانتظرني لأتبعك

ولقد حاولت تذكر بقية القصيدة، فلم أستطع، ولكن عدت إلى تلك الأيام التي حفظنا فيها هذه القصيدة، وأظن ذلك حدث قبل ستين عاماً على الأقل.

في الذاكرة من تلك الأيام (الخمسينات) عدد من القصائد والأبيات والقصص، الآن أعرف أنها كانت تراعي المسائل الجمالية والوجدانية قبل أن تهتم برسالتها التعبوية التربوية المباشرة، كهذه القصيدة البسيطة.

مساء…دخلت أبحث عن القصيدة في النت. وفوجئت أن إحدى الصديقات قد وضعت على صفحتها، قبل ربع ساعة، القصيدة كاملة.

استغربت هذه المصادفة. استغربت التوقيت. استغربت أن القصيدة من محفوظاتها وهي من الجيل الذي لم يسمع في حياته المدرسية مثل هذه القصائد، حيث تولى الشاعر سليمان العيسى القول الشعري في كل شيء لأطفال سورية. وبقي علم جمال القصائد في المنسيات والذكريات لجيل ما بعد الاستقلال.

كتبت للصديقة الصغيرة ،التي تعيش في لندن ، ما حدث لي وطلبت تفسيراً منها فقالت: أظنه…فقدان الأمان. عودة إلى طفولة سعيدة بلا هموم.

وطلبت هي تفسيري انا…فما عرفت. وازداد الأمر سوءاً حين حاولت الدخول إلى منطقة الغيبيات، وأنا فيها أغرق بشبر غباء. ولكنه السؤال البسيط والمشكل في وقت واحد.

ولكي أزيح ترف التأملات، وعبث العلم بالشيء الغامض…قلت لها: ربما كنا ، ذات عصر مضى، في زمن مضى، في صفّ مضى، في مدرسة مضت، زملاء مقعد مضى.

وحفظنا هذه القصيدة التي لا تريد ، أبداً، أن تمضي.

ولكن ما الذي أوصلها إليك؟ قالت كان والدي ، وهو من جيل تلك الاشعار، يقرأها لي وأنا طفلة.

……………..
أنا أحضرت مركبي هو يانهر من ورق
ادن يانهر إنني لست أخشى من الغرق
فانتظرني لأتبعك
ظهر النهر هادئاً ورأى الطفل أوله
فرمى المركب الذي في يده وقال له
انتظرني لأتبعك
ومضى ثم لم يعد
صرخ الطفل قائلاً بعدما المركب ابتعد:
ليتني، ليتني معك
……………

الشاعر ريميديوس ماركيز كتب عن زمن الطفولة الذي لا يمضي، قصيدة الحنين إلى الأمان:

أمي….
ومنذ ثلاثين سنة،
في كل ليلة وقبل أن تنام
تقف على شرفة ذلك البيت البعيد البعيد…
لتستمع إلى أصواتنا، ويطمئن قلبها بأن أحداً منا لم يطلق تلك الصرخة (دخيلك يا أمي)
وعندما تتأكد ، ومن تلك الشرفة ، كل ليلة، أن تلك الصرخة ليست معلقة او تائهه في مكان ما من ” قعر” السماء…
عندئذ تغلق باب شرفتها … وتنام .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى